بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة أحببنا الشهيد بشار رشيد بامتياز، ربما لأنه قوي رغم رقته، وعنيد رغم عواطفه الإنسانية الجياشة، وربما لأنه صلب جداً رغم عذوبته وشفافيته ومرونته الفريدة، فهو ثابت كالجبل رغم أنه معروف بالضعف الإنساني النبيل، حيث كانت دمعته على طرف عينه (وبس يرمش تطيح) أمام طفل يبكي، أو عصفور مكسور. نعم، فقد كان بشار رشيد نموذجاً فذاً في الود والصحبة والوفاء، وكان أبو مسار مفتاح المحبة الأمين الذي تفتتح به وبعشقه الوطني أقفال الزمان العنيدة والمتشددة. بشار رشيد شهيد الرياضة السامية بامتياز، وشهيد مدينتنا الباسلة: مدينة الثورة- مدينة الصدر - بامتياز أيضاً. وكان بفخر أحد شهداء الحزب الشيوعي الأشاوس، حزب الشهداء فهد وسلام عادل وجمال الحيدري وستار خضير، وجواد العطية ومحمد حسين ابو العيس وحسن السريع، وشمران الياسري وعايدة ياسين وخيون حسون الدراجي وخالد حمادي وغائب حوشي، وعمار جابر (شقيق اللاعب الدولي والصحفي الرياضي الشيوعي منعم جابر)، وحزب الشهداء طارق محمد صالح ( ابن أخت الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، وشقيق اللاعب الدولي مؤيد محمد صالح)، وكاظم طوفان، وبحر الخالدي، وسالار نوري صالح عزيز ، وسلام سعيد رمضان الكيلاني، وهاشم عودة السيد، وسعدي لايج صايغ، وعلي جازع صلفي، وحميد بطي خلف، ورجاء مجيد حمد الشمري، ومنعم ثاني المكصوصي، وحميد ناصر الجيلاوي، ورياض وليد ظهر وشقيقه خليل وليد ظهر ، ونادية كوركيس حنا (شقيقة اللاعب الدولي باسل كوركيس) وجواد كاظم عبود ( ابن اللاعب الدولي كاظم عبود).. وغيرهم من الأبطال الذي أنشدوا للوطن والشعب وللحزب الشيوعي، وهم يرتقون أعواد المشانق، أو وهم يتقطعون إرباً إرباً في مثارم المجرم ناظم كزار، وأحواض أسيد النيتريك (التيزاب)، أو بآلات الموت البعثية الفاشية.. نعم، فقبل ثلاثة واربعين عاماً، وتحديداً في السابع عشر من أيار العام 1978 المشؤوم، تلقت مدينة الثورة بشكل خاص، ومدن الفجيعة العراقية بشكل عام، نبأ إعدام اللاعب والنجم الكروي الكبير بشار رشيد، مع ستة وعشرين عراقياً آخرين بتهمة الإنتماء للحزب الشيوعي العراقي.. وكلما أستذكر شخصياً تلك الأمسية المظلمة، التي حلّت علينا عند وصول ذلك النبأ، أشعر بالأسى والحزن الكبير، لكني أتذكر معها أيضاً شجاعة شباب مدينة الثورة، وخاصة الرياضيين منهم، لاسيما أصدقاء الشهيد بشار وزملائه، أمثال كاظم عبود ورسن بنيان وحسن بنيان وعبد الحسين حريب وحسن حريب، وعلي مانع ولعيبي فرحان، وجبار نعمة، وفريق، وخاشوك، وغيرهم من أصحابه الرياضيين الأوفياء.. حين قام هؤلاء بما يتعارض تماماً مع أوامر وتعليمات السلطة الغاشمة والمتمثلة بعدم إقامة مجالس الفاتحة، وعدم تسريب النبأ خارج القطاع، وعدم تشييع الجنازة، أو مرافقتها الى النجف، وعدم التجمع أمام بيت الشهيد، بل ومنع التواجد حتى داخل البيت أيضاً. لكن الشباب تجاهلوا هذه التعليمات، بل زادوا على ذلك أن قام عدد كبير منهم بارتداء القمصان السود لمدة أربعين يوماً حزناً واحتجاجاً على هذا العمل الإجرامي. ولم يكن المرحوم بشار وحده من كسر ظهرنا وجعاً بهذا الحكم الجائر إنما كان معه في قائمة الإعدام ذاتها باقة من شباب المدينة الأبطال، أمثال الشهيدين شاكر رحيم، وعباس عبد حسن وغيرهما، وربما يقول البعض: كيف أعدم هؤلاء الشباب الشيوعيون، والجبهة، أو ( الچبحة) كما يسميها الراحل الكبير ابو گاطع كانت موجودة وقائمة آنذاك؟ والجواب : أن صدام حسين أراد إعدام هذه الكوكبة رغماً عن أنف الرئيس البكر، ليهدم الجبهة الوطنية عبر إعدامهم، وكان سقوط الجبهة وهدمها بمثابة ساعة الصفر لصدام من اجل تنفيذ مشروعه المتمثل بالإستيلاء على الموقع الأول في الحزب والسلطة، لأن من المستحيل تنفيذ هذا المشروع الجهنمي آنذاك، والشيوعيون شركاء معه في الجبهة، لاسيما وأن للحزب الشيوعي العراقي تأثيراً كبيراً وقوياً في حركة التحرر العربي وفي ساحة النضال الأممي الممتدة من الاتحاد السوفيتي حتى أثيوبيا والصومال وأرتيريا ودمشق وطهران وظفار، وقطعاً فإن الشيوعيين سيرفضون الموافقة على تنفيذ مشروع صدام الإجرامي، فهم أشرف من أن يبصموا على تأييد جريمة حتى لو كان الضحية فيها بعثياً مثل البكر .. فضلاً عن ان الموقع الأول في السلطة سيفتح الأفق واسعاً أمام صدام للتوجه نحو تنفيذ مشاريع الحروب والإبادات الجماعية .. وهذا ما حصل بعد ذلك فعلاً!! وهنا اود الإشارة الى ان البكر أعطى وعداً، وقطع عهداً للقائد الشيوعي الراحل عامر عبد الله - الذي كان ممثلاً عن الحزب الشيوعي العراقي في قيادة الجبهة الوطنية، ووزيراً في الحكومة أيضا بعدم التوقيع على اعدام بشار رشيد ومجموعته - ومن المعروف أن جميع احكام الاعدام لا تنفذ بدون توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم تنفيذ الحكم، لذلك خرج عامر عبد الله من مكتب البكر مطمئناً من موضوع اعدام بشار رشيد وبقية الشباب الشيوعيين الـ 26 الذين كانوا ينتظرون تدخل قيادة الحزب في هذه القضية! لذلك، فقد ذهل البكر وأصيب بصدمة نفسية كبيرة حين علم بتنفيذ حكم الاعدام بحق بشار ومجموعته بأمر خاص من صدام، إذ يقال إن البكر ادرك وقتها أن اعدام هؤلاء الشباب كان رسالة ومسجاً بعثه صدام للبكر وليس لغيره، ومفاده أن صدام حسين هو الرجل الأول، وعلى البكر أن يقبل بالأمر الواقع، لكنّ البكر المحاط بأتباع صدام، والذين باتوا يحصون عليه انفاسه لم يكن في وضع يسمح له باتخاذ أي موقف ينقذ به سلطته، وكرسي حكمه.. بمعنى أن القطار فات عليه، والوقت أزِف تماماً ! وللأسف فقد كان النجم الكبير بشار رشيد ورفاقه ثمناً لرغبة وخطة صدام المجنونة، وجسراً لمشاريعه الفاشية.. لكن التاريخ العادل، أعظم من احتيال صدام، وأرحم من شخصيته الدموية، فقد مضى صدام حسين الى مزبلة التاريخ، وظل بشار رشيد سنديانة ندية معطرة بحروف الشهادة ورمزاً للشهداء الميامين، وبقى اسمه عطراً طاهراً في فضاء الوطنية العراقية الناصعة.
*
اضافة التعليق