بغداد- العراق اليوم: لا شك أن وجود الميليشيات المسلحة لا ينحصر في العراق، كما لا يتحدد بظرف تاريخي أو جغرافي، ويقيناً ان التعمق في الحديث بهذه التفاصيل يحتاج الى مساحة واسعة قد لا تتوفر في هذا المقال، لذلك سنترك هذا الحديث الى فرصة اخرى، ونتفرغ هنا للحديث عن الميليشيات المولودة حديثاً، أو المستولدة حديثاً بشكل أدق، لا سيما وإنها ظهرت في صفحات الاعلام دون أية مقدمات، ودون علامات تهيئ لهذه الولادات، فهل هي ولادات حقيقية لفصائل منظمة ومسلحة، أم هي نتاج آخر .. نتائج إعلاني ليس أكثر ؟! نعم، فقد شهد العراق في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد إبداء حكومة مصطفى الكاظمي عزمها على مواجهة الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة، موجة إعلانات عن مجموعات مسلحة جديدة، تقول إنها ستواصل العمل المسلح. وأعلنت إحدى تلك الميليشيات الجديدة عن انطلاقها في بيان جاء فيه "نحن مجموعة من المجاهدين المضحين المقاومين الرافضين للاحتلال والمستعمر، وبعد أن كنا على مدى الأعوام نقاتل في رحاب جيش الإمام المهدي وتحت لواء آل الصدر الكرام وما لحقه من المسميات الجهادية، نعلن اليوم عن تشكيل لواء الشهيد القائد كريم درعم". كما ظهرت بيانات لميليشيات جديدة أخرى، حتى بدت وكأنها سلسلة لا تنتهي، منها ميليشيا "أصحاب الكهف" و"عصبة الثائرين"، و"سرايا ثورة العشرين الثانية"، و"قوات ذو الفقار"، و"سرايا المنتقم"، و"أولياء الدم"، و"ثأر المهندس"، و"قاصم الجبارين"، و"الغاشية". وتتنوع البيانات بين الإعلان عن تشكيل الفصيل واسمه، وتبني عمليات الهجوم على أرتال يُقال إنها تابعة للجيش الأميركي. كما صدرت بيانات تحذيرية كالذي أصدرته "سرايا أولياء الدم" وحذرت فيه بعثة الأمم المتحدة في العراق من السماح للقوات الأميركية باستخدام آلياتها لغرض الانتقال من مكان إلى آخر. وجاء في البيان "سنضطر لضرب عناصر الاحتلال الأميركي في آلياتكم وحينها ستُحرق عجلاتكم في الشوارع العراقية". وظهر منذ أكثر من 90 يوماً للعلن، 17 فصيلاً ومجموعة جديدة، يرى المراقبون أنها لن تكون الأخيرة، فالتوقعات قائمة بولادة ميليشيات جديدة لتشكل محاولةً لخلط الأوراق والتشويش على حكومة الكاظمي والقوات الأميركية على حد سواء. فمنذ عام 2003 حتى اليوم وظاهرة الميليشيات والفصائل المسلحة مستمرة، والنظام السياسي في العراق لا يعمل بطريقة المؤسسات الشرعية والتنافس الانتخابي. " فالنظام الهش ينتج صراعاً حول تقاسم الموارد ونزاعاً على السلطة والنفوذ، وبما أن العراق لا يمكن اعتبار نظامه مؤسساتياً، باتت الفرصة مؤاتية للقوى التي تعمل بطريقة المافيات، سواء على المستوى الاقتصادي أو خارج نطاق عمل الدولة، وهذه القوى تحاول توسيع نفوذها بقوة السلاح، وتسعى إلى الحفاظ على مصادر تمويلها التي غالباً ما تكون غير شرعية، فتحتاج إلى أن تؤمن لنفسها جناحاً يشارك في العملية السياسية، بالتالي فهي تمسك بطرف السلطة من جهة، وتبقى كقوى خارجة عن الدولة من جهة أخرى". انقسام أم قوى جديدة؟ من جهة أخرى، وفي حين أنه غالباً ما يُفهم من ظاهرة الإعلان عن ميليشيات وفصائل جديدة، أنها حالة انقسام في القوى التقليدية، لكن الحقيقة أنه "لا يمكن فهم هذا الموضوع على أنه انقسام خلافي يزاحم القوى التقليدية بقدر ما هو انشطار يصب في خدمة هذه القوى من ناحية إنتاج فصائل بعناوين ومسميات مختلفه للتمويه، وإبعاد الشبهات والإفلات من العقاب، وتنفيذ ما هو مطلوب منها سواء بالضغط على الأميركيين باستهداف مصالحهم أينما وجِدت في العراق، أو بالضغط على حكومة الكاظمي لتحقيق بعض المطالب والإملاءات، فهذه الميليشيات أتقنت لعبة السياسة في العراق فهي مشارك مكشوف في العملية السياسية، ومشارك خفي في لعبة جر الحبل بغطاء ميليشياوي". من جهة أخرى، يعتبر مراقبون أن العامل الخارجي هو مَن يسعى إلى جعل هذه الفصائل والميليشيات عبارة عن سلسلة غير منتهية من الانشطارات والتجديد، "بل إنها تسعى لانشطاراتها المتعددة، لكي تضمن ديمومتها، وإن هناك إرادات خارجية تسعى إلى ألا يكون لأي طرف من قوى اللادولة التي تدعمها، دوراً أساسياً في إضعاف الحكومة، كما تسعى إلى ألا يكون هناك أي تركز للقوة داخل أي طرف، وعليه فإن الإرادات الخارجية ترغب بضمان أن تكون قوى اللادولة ممثَلة بأكثر من جهة وفصيل لكي يصعب تفكيكها وحلها". يرى البعض أن الطريق إلى حل الميليشيات سيكون محفوفاً بالمخاطر، فتلك لها أذرع سياسية وتعمل في الحكومة، بالتالي فإن عملية تفكيك هذا الارتباط أشبه بالمستحيل، بحسب رأي الباحثين والمتخصصين، الذين أشار أحدهم إلى أنه "لا بد من عملية فرز شاملة بين الفصائل، بغية تحييد الفصائل الولائية عن الفصائل التي تأتمر بأوامر الحكومة والقائد العام. ومن شأن ذلك أن يخلق حالة عزل، ويفك الاشتباك بالمفاهيم والتداخل بالمسميات التي تعيق المعالجة الدقيقة للسلاح المنفلت، والتمييز بين سلاح الوطن عن السلاح القادم من خارج الحدود". من جهة أخرى فإن " حكومة مصطفى الكاظمي تعمل الآن على مسارين، الأول سياسي يتمثل في عملية تحديد هذه الجماعات واستخدام أوراق الضغط السياسي من قبل الكتل الشيعية الكبرى المهمة، أما المسار الثاني فهو العمل الاستخباري لتحديد محور حركة هذه الجماعات المسلحة الخاصة، فهذه الجماعات تتوهم بأن الشرعية الثورية أكبر من الشرعية الدستورية للقوات المسلحة العراقية، ويُعدّ ذلك مؤشراً على عدم فهم هذه الجماعات المتمردة تاريخ العراق السياسي الحديث، الذي نشأت فيه جماعات الظل المسلحة التي ذابت وانتهت في النهاية". وتبقى الميليشيات هي الأقوى حالياً، في ظل غياب أي جهد سياسي لحلها، فهي تمسك بالسلاح من جهة وتتحكم بالسياسة من جهة أخرى، وذلك يهدد باحتمال أن تكسب الانتخابات المبكرة بقوة السلاح
*
اضافة التعليق