شكراً دولة الرئيس .. شكراً لكل الأصدقاء ..

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي 

بعد أن نشر مقالي الافتتاحي يوم أمس، والذي حمل عنوان: " جريدة الحقيقة منين لها فلوس؟" تلقيت اتصالاً هاتفياً من مكتب دولة الرئيس مساء ذات اليوم، يدعوني إلى لقاء رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني، إذا لم يكن لدي مانع.. وطبعاً فقد سررت جداً بهذه الدعوة الكريمة، ولبيت الطلب حالاً رغم أن موعد اللقاء يأتي في نفس توقيت مباراة برشلونة ونادي التشي .. دخلت على دولة الرئيس في صالون الاستقبال بداره الكريمة، فوجدته يتابع مباراة برشلونة والتشي.

 في البدء فرحت حين رأيته يشاهد المباراة فقلت في سري: ( يمكن ابو مصطفى برشلوني )؟!

لكن فرحتي لم تطل، فقد بادرني الرجل بابتسامته المعهودة، وهو يقول : آني مو هلگد أحب الطوبة، لكني مشجع قوي لمنتخب العراق.. ومشكلتنا في البيت حين يلعب فريقا برشلونة وريال مدريد، لأن ابني حسن يشجع النادي الملكي، وحسين يشجع برشلونة.. وذاك اليوم تعال وصير حاجوز .. فضحكت وقلت له: أولاً سلم لي على المحروس حسين .. ثانياً أودّ أن أطمئنك بأننا جميعاً نعاني من هذه المشكلة..! فأنا في البيت أعاني مثلك من مشكلة الكلاسيكو  ..!  كنت أنظر اليه وهو يتحدث عن أولاده والكرة والعائلة، وأتابع كلماته وهي تخرج بيسر ودون أية مبالغة، فأشعر وكأن الرجل صديقي من زمن بعيد .. كنت أنظر اليه وقلبي يخفق مع يامال وهو يسجل الهدف الأول للبرشا، فشعر الرئيس بذلك وابتسم ثم قال لي:

أنا قرأت مقالك الافتتاحي، وأنا شخصياً أحترم جهدكم الصحفي، وجهود الصحفيين العراقيين الذين يبذلون الغالي والنفيس من أجل إيصال الحقيقة إلى الناس، وهذا الأمر لا يتحدد بصحيفة معينة، ولا بقناة فضائية محددة، إنما يشمل كل من يضع رفعة العراق وخدمة العراقيين هدفاً له ومحطة يجاهد من أجل الوصول اليها .. 

قاطعته بلطف وقلت له:

إن استقبالك لي في هذه الساعة من الليل، رغم انشغالاتك الحكومية والانتخابية، وعودتك من مهرجان انتخابي كبير أقيم في محافظة النجف، شرف لي، وتقدير كبير للصحافة العراقية.. لذا أتقدم لك بجزيل شكري وامتناني ..

لكن الرئيس السوداني قال: هذا واجبي، فالصحافة العراقية الوطنية الصامدة بوجه كل الظروف القاهرة، تستحق منا كل التقدير والاحترام.. ثم أكمل كلامه قائلاً: لقد قرأت مقالك، وأرجو أن تسمح لي بدفع ما في ذمتك لمصرف المتحد من نفقتي الخاصة، وأحرر بيتك من قيد الرهن.

ثم التفت لي وقال: كم هو المبلغ ؟!

فذكرت له الرقم.. 

فقال : بسيطة بسيطة ولا تهون، هذا مبلغ مگدور عليه - قالها ضاحكاً- !!

ثم نظر لي وقال: اتفقنا مو؟

قلت له: لا يا دولة الرئيس لم نتفق .. فأنا أولاً أتقدم إليك بكل الشكر والحب والامتنان لموقفك الكريم هذا، إذ ليس هناك رئيس دولة غيرك، يدفع من جيبه لفك رهن بيت مواطن - حتى لو كان صحفياً - . وثانياُ أنا لم أكتب المقال لكي أطلب فيه دعماً مالياً، بل على العكس من ذلك، فقد اعتذرت في مقدمة المقال عن قبول أي دعم مالي من أحد - حتى لو كان شقيقي -، وطبعاً فإني حين أعتذر منك، إنما هو اعتذار من أخينا الأكبر دولة الرئيس أبو مصطفى، متمنياً عليه قبول اعتذاري وتفهم موقفي خاصة واني اعتذرت عن قبول الكثير من المعونات الأخوية ، والمساعدات النبيلة .. 

لقد أردت من نشر المقال يا دولة الرئيس أن اكشف للناس معاناة الصحف الوطنية الشريفة، وظروفها القاسية التي تدفع برئيس تحرير إلى رهن بيته الوحيد.. أكرر شكري لك يا أخانا الأكرم، ولينصرك الله..

نهضت مستأذناً هذا الرجل الكريم، وقد لمحت خيطاً من الفرح والحزن يخطف من مرأى عينيه..وهو بظني خيط تولد لديه بسبب إباء وعزة صحفي عراقي يعتذر عن قبول ( معونة ) رئيس الوزراء، فالسوداني يفرح حين يقابل صحفياً أبياً.. وهو خيط حزن أيضاً، لأنه لم يستطع إقناعي بدفع بقية القرض وفك رهن البيت وهو العراقي الجنوبي الكريم جداً.. وهذا لعمري ما أحزنه ..

في طريقي وأنا أعود إلى بيتي، مرت عشرات الأسماء الحبيبة أمامي: مثل حميد العقابي، حميد الياسري، سعد عبد الحسين، طالب غالي، صلاح حسون الدراجي، الفريق أول ركن قيس المحمداوي والكثير الكثير من الأحبة الذين عرضوا علي استعدادهم للمساعدة، حتى أن صديقي سعد عبد الحسين قال: والله لأبيع أثاث بيتي، ولا تتوقف جريدة الحقيقة عن الصدور.

ختاماً إسمحوا لي أن أقول: هل لأحد العذر بعد اليوم أن يخاطبنا ويقول : عمي دعزلوا جرايدكم، شمحصلين  منها ؟!