ويگلك الحزب الشيوعي العراقي ليش ما يفوز ؟!

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

سؤال نسمعه من الناس كثيراً، لاسيما اولئك الذين لا يعرفون حقيقة الأمور، والذين لا يريدون معرفتها أيضاً، ومفاد هذا الكلام الذي يزداد في فترة الانتخابات النيابية، يتبلور على شكل سؤال موجع يقول : لماذا لا يفوز الحزب الشيوعي العراقي بما يستحقه من مقاعد في البرلمان، وهو الحزب التاريخي، بل وعميد الأحزاب الوطنية في العراق، وهو الفصيل السياسي الذي يملك سجلاً وطنياً ونضالياً متقدماً لا يقترب منه أي حزب سياسي، ولا ينافسه أي تاريخ وطني آخر.. ؟! 

ولعل العجيب في الأمر أن تأتي نتائج الانتخابات النيابية العراقية أحياناً بشكل مضحك ومبكٍ في آن واحد، فتجد مثلاً، شخصاً واحداً لا يملك تاريخاً ولا حتى حاضراً ولا برنامجاً انتخابياً مستقبلياً، وربما يكون شخصاً فاسداً، أو  تافهاً لا تساوي قيمته ثمن البدلة التي يرتديها، ومع هذا تجده يفوز لوحده بمجموع أصوات تؤهله لنيل خمسة مقاعد او أكثر في البرلمان، بينما لا يفوز  الحزب الشيوعي العراقي، بكل عظمة تاريخه، ورصانة برنامجه الانتخابي، ونزاهة مرشحيه، ونصاعة أياديهم

بمقعدين او مقعد واحد، أو قد لايفوز حتى بمقعد !

وللحق، فإن المرء لا يصاب

هنا بالحيرة والدهشة فقط إنما بالجنون أيضاً، خاصة حين يكون هذا المرء مثلي حساساً (حبتين )، ويتعرض لمثل هذا السؤال كل يوم تقريباً، ومع السؤال يحاول البعض دسّ السم بين حروفه ..  

ويقيناً ان لدى السادة القراء عدة أجوبة واقعية ومنطقية لهذا السؤال ( السريالي )، وثمة أجوبة ( ثأرية) واستفزازية كذلك، ستأتي من الذين يحاولون التصيد بالماء العكر وغير العكر أحياناً .. فيحاولون تحميل الحزب مسؤولية هذا ( الإخفاق )، أو تحميل مبادئ وأسس النظرية الماركسية، أو  تطبيقاتها ( السوفيتية ) تبعات عدم الحصول على نتائج متقدمة في انتخابات البرلمان العراقي في الدورات السابقة، وهي لعمري اتهامات ليست باطلة فحسب، إنما بعضها مضحك أيضاً.. إذ ما علاقة فائض القيمة و الديالكتيك والحتمية التاريخية، وزعيم النظام السوفيتي الرفيق بريجنيف مثلاً بعدم فوز المرشح ( كاظم جويعد )

في دائرة عفچ الانتخابية، حتى لو كان ( أبو جواد ) تقدمياً، وشيوعياً (قرص) ؟! 

وكي أكون دقيقاً، فأنا لا أبرئ الجميع، فثمة من يتحمل بعضاً من أسباب التراجع حتماً، ولكن يجب ألّا نسقط أيضاً جرائم البعث الفاشي، والدوائر الاستخبارية الغربية، وأيضاً مؤامرات أعداء الشيوعية في المنطقة.. 

وأنا واثق أن ثمة من يقول: لقد رحل البعث غير مأسوف عليه، وتوقفت تقريباً مؤامرات او أنشطة الدوائر الغربية الموجهة ضد الشيوعيين في العراق، فلماذا يفشل الحزب الشيوعي حتى اليوم بإيصال خمسة من مرشحيه الى البرلمان؟

والجواب ليس صعباً طبعاً، فالخراب الذي تركه صدام ونظامه الدموي لا يمكن تجاوزه بسهولة ويسر، وهذا الخراب الذي شمل كل ميادين وفئات الشعب العراقي، أصاب الشيوعيين أكثر من غيرهم، فهم الأكثر تضرراً من تسلط البعث الذي دام خمسة وثلاثين عاماً.. وضحايا الحزب الشيوعي لا تعد ولا تحصى، إذ يكفي أن تطّلع بنفسك على سجلات مؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين لتعرف حجم وعدد ضحايا الحزب الشيوعي العراقي !!

ولكن، هل هذا هو السبب الوحيد في عدم فوز مرشحي الحزب الشيوعي بمقاعد مجلس النواب ؟!

الجواب: كلا وألف كلا ..!

فالمال السياسي الذي يستخدم الان في الدعاية لانتخابات مجلس النواب العراقي، وفي شراء الذمم والأصوات والبطاقات الانتخابية، لا أظن ان مثله قد استخدم في جميع انتخابات العالم من قبل، بما في ذلك انتخابات الكونغرس الأمريكي، أو حملة انتخاب ترامب التي تعد الأكثر تكلفة في العالم.

والمشكلة لا تكمن برأيي في كمية الأموال التي تهدر اليوم في انتخابات العراق، إنما في حجم التباين الهائل في مصروفات وتكاليف الحملات الانتخابية، ومثال على ذلك، حملة المرشح محمد الحلبوسي التي تكلف 500 مليون دولار - وهذا الرقم ليس من عندي، إنما قاله أشخاص معروفون، وبعضهم من رفاق الحلبوسي نفسه تتوافر لدينا فيديوهاتهم.. بينما نرى تكلفة حملة المرشح الشيوعي رائد فهمي بأجمعها لا تتجاوز ال 50 مليون دينار عراقي .. ولكم ان تقارنوا بين مبلغ 500 مليون دولار و 50 مليون دينار عراقي !.. 

وطبعاً فالقارئ الكريم يعرف من أين تأتي 500 مليون دولار الحلبوسي، ومن أين تأتي 50 مليون دينار رائد فهمي  ..!

وللأمانة فأنا اخترت موارد الحلبوسي مثالاً فقط لأنه صاحب الرقم الأعلى في التمويل بين كل الحملات، وليس المرشح الأوحد الذي صرف ملايين الدولارات على حملته .. فهناك الكثير غيره بين مرشحي جميع الطوائف والأحزاب والتحالفات ما يجعل العراقيين يلطمون على رؤوسهم حزناً وأسى!!

والآن، هل عرفتم لماذا يفوز الحلبوسي بأربعين مقعداً في البرلمان، بينما الحزب الشيوعي لا يحصل على خمسة مقاعد .. ؟

رحم الله أمهاتنا حين قلن : "الفلوس تجيب العروس".