الشيوعيون لم يخسروا ..  إنما العراق خسر ..!

بغداد- العراق اليوم:

هكذا كتبت جريدة الحقيقة

رأي الحقيقة

 

تنتهي المعركة الانتخابية هذه المرة بصورة بدت متوقعة لدى الكثيرين، حيث لم تتمكن القوى المدنية والتيارات غير الراديكالية من دخول المجلس النيابي الجديد، في مشهد يعكس تعقيدات اقليمية ودولية خطيرة ألقت بظلالها الثقيلة على الساحة العراقية. فالتطورات المتسارعة في المنطقة، بدءاً من تفجر الصراعات وتشابك المصالح الكبرى، وانتهاء بسقوط النظام في سوريا وسيطرة قوى متشددة على المشهد هناك، اعادت الشرق الاوسط بأكمله الى مربع الاستقطابات الحادة التي تلغي المساحات الرمادية وتضغط على الناخب للعودة الى خيارات تقليدية تضمن له الامان ولو كان وهماً.

 

في هذا السياق المضطرب دخلت القوى المدنية، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، المعترك الانتخابي وهي تحمل عبئا مادياً ثقيلا.

 

فهذه القوى لا تمتلك ماكينات انتخابية ضخمة ولا نفوذاً مالياً ينافس القوى التقليدية ذات الامتدادات الواسعة، ولا سلاحاً منفلت أو منضبط تهدد به أحداً ، فضلاً عن انها تنطلق من خطاب واقعي لا يَعِد بما لا يمكن تحقيقه، وهي معادلة تبدو خاسرة في زمن تغلب فيه الشعارات العالية البراقة على البرامج العملية الحقيقية.

 

ومع ذلك، فإن مشاركة الحزب الشيوعي العراقي لم تكن خطوة سياسية عابرة، بل كانت محاولة واعية لوضع الناخب العراقي امام خيارات بديلة وجاهزة اذا ما قرر تجاوز دائرة الاستقطاب السياسي التي يراها كثيرون واقعا مفروضا بفعل المناخ الاقليمي الملتهب. الحزب اراد ان يذكر الشارع بأن ثمة صوتاً آخر، هادئاً وعاقلاً ونظيفاً، يمكن الاعتماد عليه حين تتهيأ الظروف لعودة النقاش السياسي الذي يقوم على البرنامج لا على الخوف.

 

الحزب الشيوعي لم يخسر الانتخابات بالمعنى الضيق للكلمة، كي يشمت به الجهلة والحاقدون، لأن الخسارة لا تقاس بعدد المقاعد فقط، بل تقاس بمقدار ترسيخ الفكرة التي يمثلها. والمفارقة ان ما خسره الحزب اليوم ليس نتيجة لأخطائه، بل نتيجة لتراجع الحاجة الموضوعية لدى الناخب لوجود قوى مدنية ديمقراطية في ظرف تتقدم فيه ردود الفعل العاطفية والمخاوف على صوت العقل.

 

لقد دفع المشهد السياسي العراقي ثمن اعادة تفعيل خطوط الانقسام الطائفي والمناطقي، وهو ما قلص بشكل كبير فرص القوى العابرة لهذه الهويات.

 

ان الشيوعيين، رغم عدم حصولهم على تمثيل نيابي، نجحوا في تثبيت حضور البديل الوطني، ذلك البديل الذي سيعود بقوة حين تستعيد المنطقة توازنها وتغادر مرحلة التوترات والتبعيات التي تُسقِط الناخب في فخ المخاوف قبل التفكير بالمصلحة العامة.

 

ما قدمه الشيوعيون وقوى العراق المدنية لم يكن تنافساً على مقعد هنا او هناك، بل كان عملاً تراكمياً يعيد التذكير بامكانية وجود فضاء ديمقراطي لا تحدده الاستقطابات، بل تحدده حاجة الناس الى دولة عادلة وقادرة.

 

وعليه، فإن القول بأن الشيوعيين خسروا الانتخابات هو قراءة سطحية جداً. فالادق هو ان العراق خسر، مؤقتاً، فرصة اتساع الصوت المدني الديمقراطي.

 

اما الحزب نفسه، فقد خرج من التجربة اكثر ثباتاً في مشروعه، واكثر قدرة على الانتظار حتى اللحظة التي ينتصر فيها العقل على الخوف، وينتصر فيها الناخب لبرامج حقيقية لا لاصطفافات اضطرارية، ولا مزادات مالية، وبازار وعمليات بيع وشراء أصوات وضمائر .. !