عمار كاظم كيف نستطيع استيحاء ذكرى الإمام الحسين (ع)؟، هل نحصر حضورها فينا في إطار الأمجاد التاريخية التي تزهو بها الأُمم والشعوب تأكيداً على كونها ذات جذور عميقة في الماضي؟ أو ننطلق بها، في كلِّ مفرداتها الفكرية والروحية والحركية، لنعيش إيحاءاتها المتنوعة. إنّ الجواب عن هذا السؤال ينطلق من القاعدة القرآنية الإسلامية التي تركّز على أنّ الماضي هو مسؤولية الذين عاشوه وصنعوه، في الدوائر السلبية والإيجابية، وذلك قوله تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة/ 134). فليس المجد التاريخي مجداً لنا بالمعنى الحركي للمجد، بل هو مجد الأبطال الذين صنعوه. فنحن لم نصنعه، ولا علاقة لنا به، حتى لو كنّا أبناء هؤلاء، ولن نحصل على أيّ ثواب عليه؛ (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى) (النجم/ 39-41). إنّ قيمة التاريخ هي قيمة العبرة التي تفتح الحدث عن الفكرة، وترصد الثوابت التي لا تخضع في خصوصياتها للفترة الزمنية، بل تشمل كل خطوط الزمن لأنّها خصوصيات الحياة كلّها وهذا ما يجعلنا نرتبط بالشخصيات الإسلامية القيادية في مستوى النبي (ص) والأئمة – عليهم السلام –، لأنّ حركتها ليست حركة اللحظة التي عاشت فيها، بل هي حركة الرسالة المتجسدة في خطواتها الفكرية والروحية والعملية. وفي ضوء ذلك، لم تكن حركة الإمام الحسين(ع) مجرد حركةٍ سياسيةٍ، بالمعنى التقليدي للكلمة بل هي حركةٌ إسلاميةٌ في معنى الإسلام في الثورة، بحيث نلتقي فيها بالأبعاد الرسالية في خطوطها التفصيلية التي تحدّد لنا شرعية النهج الثوري المتحرك في نطاق التضحية حتى الاستشهاد، وفي طبيعة الظروف الموضوعية المحيطة بالحَدَث الكبير في تلك المرحلة، وفي الظروف المماثلة لها في المراحل الأخرى؛ الأمر الذي يجعلها حالةً تطبيقية للخط الإسلامي النظري في الصراعات الداخلية التي يعيشها الواقع الإسلامي بين خط الاستقامة وخط الانحراف، في الموقع القيادي الشرعي أو في الموقع المتمرد على الشرعية. فلم يكن الحسين (ع) ثائراً يتمرَّد على الذل من موقع إحساسه الذاتي بالكرامة، أو التزامه العائلي بالعزّة؛ ولم يكن إنساناً متمرّداً على الواقع في المزاج التمرّدي الذي يرفض الأوضاع الخاصة التي لا تنسجم مع مزاجه. وهذا ما يفرض علينا أن ندخل في عملية مقارنة بين ظروف المرحلة التي عاشها الإمام الحسين؛ وظروف المرحلة التي نعيشها، في طبيعتها، وفي مفرداتها، وفي خطوطها التفصيلية، وفي تحدياتها الفكرية والعملية... لنتعرف من خلال ذلك على معنى الشرعية في حركتنا في الظروف المماثلة. وهذا هو ما نلاحظه في الكلمة الأولى التي بدأ بها الإمام الحسين عليه السلام حركته في ما يتحدث به الرواة من سيرته أنّه خطب في أصحابه فقال: "أيها الناس إنّ رسول الله (ص) قال: مَن رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان... فلم يغيِّر ما عليه بقول ولا بفعل، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله". أنّ كل حركةٍ للثورة هي حركة في اتجاه الدعوة. لأنّ الثورة تعمل على سدّ الثغرات التي ينفذ منها الكفر والضَلال في واقع المؤمنين، وإغلاق النوافذ التي تتحرَّك من خلالها رياح الانحراف في أجواء المسلمين، كما تعمل على إثارة اليقظة في العقول النائمة، وتحريك الوعي في الأحاسيس الجامدة، وفتح القلوب على المفاهيم الخيّرة. فهي تختصر المراحل البعيدة، لتجمعها في حركة فاعلة في اتجاه النتائج الحاسمة في الحياة. لذلك كانت ثورة عاشوراء تنطلق في اتجاه الدعوة، من خلال انطلاقها في عنوان الإصلاح في أمة رسول الله الذي يحمل في داخله إصلاح الخط الفكري والعملي، لنفتح الناس على الإسلام كلّه حتى لا يثقلهم الانحراف الواقعي فيبعدهم عن الاستقامة الفكرية.
صحف عربية