بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي في الذكرى العشرين لاستشهاد وضاح حسن عبّد الأمير، "سعدون"، نستعيد بفخر طيب ذكراه وعاطر سيرته التي تجسد الشجاعة والتضحية. فلا يسعني إلا أن أستذكر بعض المحطات التي جمعتنا، حيث كانت علاقتي به أكثر من مجرد معرفة عابرة، كانت صداقة ورفقة متجذرة نشأت منذ لقائنا الأول في فصيل (أشقولكة) بمنطقة (بشتاشان) في منتصف عام 1982. اكتشفت فيه طيبةً صادقةً، وشجاعةً لا تعرف التراجع، وإخلاصاً نادراً، كان شخصاً واضحاً وبسيطاً، بعيداً عن أي تصنّع. ومنذ ذلك الحين، توحدت آمالنا وأهدافنا، ومضينا معاً، مدركين أن الطريق أمامنا مليء بالمخاطر، لكنه كان أيضا محفوفاً بإيماننا الراسخ وإصرارنا على التحرر من الدكتاتورية والظلم. بعد معارك (بشتاشان)، واصلنا الكفاح، واتخذ كل منا دوره في الحركة الأنصارية، سعدون في مناطق شقلاوة، وأنا في سرية (قرجوغ) وضواحي أربيل. كانت تلك المرحلة مفصلية، واجهنا فيها تحديات جسيمة، لكن تواصلنا وتعاضدنا جعلا صمودنا أقوى. كنا نتكئ على بعضنا في الأوقات العصيبة، مدركين أن كلاً منا سند للآخر في لحظات المحنة. عقب كارثة عمليات الأنفال، التي جسدت أبشع صور القمع على يد النظام، تسللتُ في الأسبوع الأول من نيسان عام 1989 إلى أربيل في واجب سياسي بعد انتهاء الحركة المسلحة. كان سعدون أول من استقبلني هناك، حيث أقمنا مع رفاق آخرين في بيت سري. ومثّل لقاؤنا لحظة أمل متجدد، يدفعنا للاستمرار في النضال رغم توقف الحركة الأنصارية، فواصلنا العمل بروح لا تستسلم أمام المحن. في شباط من ذلك العام، ومع هبوب نسائم الربيع، انطلقنا إلى بغداد في مغامرة محفوفة بالمخاطر، وكان سعدون معنا، إلى جانب ماموستا هوكر، ملازم هزار، كاوة جاوشين، شيرزاد، سيار، وأحمد شاهين. وفي تلك الرحلة قررت زيارة أهلي في مدينة الثورة (الصدر حالياً)، بعد فراق طويل امتد منذ خريف عام 1978. حضر سعدون ورفاق آخرين، وكانت لحظة لقاء فاض بالشوق والحنين، وخفف سعدون بوجوده وقع تلك اللحظات عليّ ، وأعانني بدماثته وخفة ظله التي أثّرت كثيرا في أهلي فعدّوه واحد من أبنائهم. اجتمعنا مجدداً بعد اندلاع انتفاضة آذار 1991، وحينها أوكل إليّ الرفيق حميد مجيد موسى مهمة ترتيب الاتصال بسعدون، الذي كان يعمل مع قيادات الحزب الأخرى في تنظيمات الحزب السرية ببغداد، ومن بينهم عمر علي الشيخ، عادل حبه، حسان عاكف، وبخشان زنكنه. وانسحب الجميع بسلام من بغداد بخطة ذكية ومحكمة، رغم شدة ملاحقة أزلام النظام وأمنه. غير أن سعدون بقي محاصراً بجواسيس السلطة. وضعنا خطة أخرى خاصة لتهريبه، ومع انها كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، تمكّنا من تخليصه وإيصاله بأمان إلى إقليم كردستان. كانت لحظات قاسية وشديدة الخطورة، لكنها عكست عزمنا وثباتنا في مواجهة التحديات. لم يكن سعدون مجرد رفيق عابر، بل كان تجسيداً حياً للبسالة والاقدام، يتصدر صفوف الكفاح الأمامية، يتحدى المخاطر بتصميم لا يتزعزع، مؤمناً بأن الثمن الذي يدفعه هو جزء من واجبه المقدّس تجاه قضيته ورفاقه وشعبه. يبقى الحديث عن سعدون استعادة لروح النضال والإصرار، وتذكيراً لنا جميعاً بأن ما كان يحلم به لا زال حياً، وأن المسيرة التي بدأها ستبقى مستمرة، إنها مسيرة الحرية والعدالة والكرامة.
اضافة التعليق