العراق اليوم – بغداد: بالرغم من وجود قوات الجيش، والشرطة، والحشد الشعبي، وما قدمته هذه القوات الشجاعة من إنجازات عسكرية باهرة، لاسيما في مواجهة تنظيم داعش، وتحرير المدن العراقية من دنس هذا التنظيم الإرهابي. وعلى الرغم من الجهد الاستخباري والأمني الطيب، الذي بذلته أجهزة الاستخبارات العسكرية المتعددة، وجهد أجهزة وزارة الداخلية الواضح، الذي لا يمكن إغفاله، إلاَّ أن الحقيقة التي يجب أن تقال، أن ثمة خللاً أمنياً وعسكرياً واستخبارياً فظيعاً، قد ساهم في إرباك الوضع الأمني العراقي، وفي أضعاف أحساس المنتسب والمواطن بالمسؤولية الوطنية، وهدم الحصانة الفكرية والأمنية الذاتية والأسرية والمجتمعية والوطنية، بل وحتى الإنسانية، التي كان يتمتع بها الفرد العراقي على مر العهود، مما ساهم في تحقيق نجاحات مهمة للعصابات الطائفية في بغداد، وبقية المحافظات العراقية، وأيضاً في تفشي الجريمة الاقتصادية والاجتماعية، فسَّهل من مهمة دخول الفكر الطائفي التكفيري أولاً، ومن ثم دخول عصابات داعش، واحتلالها لبعض المدن العراقية. وإذا ما تجنبنا الحديث عن العامل السياسي العراقي المرتبك، والعوامل الإقليمية المتعددة، التي أدت إلى حدوث الكارثة، وأردنا الحديث بحيادية - مع إننا لا نؤمن بالحيادية في القضايا المتعلقة بأمن الوطن والمواطنين- فإننا يجب أن نتحدث عن الانكسارات وعن الإنجازات أيضا دون تجاوز أي منهما.. فالتاريخ بدون المعلومة التي يضعها في يده الأشخاص الذين عاصروا الحدث، يكون أصماً وأبكماً وأعمى، ونحن هؤلاء المعاصرون، والشهود الأمناء، هذا اولاً، وثانياً، ثمة دماء عراقية طاهرة اهرقت، وأرواح شريفة أزهقت، ورجال أهدوا حياتهم للوطن دون مقابل، ومن حق هؤلاء المضحين أن نشهد لهم فنقول الحقيقة دون رياء، فليس من العدل أن تتساوى "القرعة وأم الشعر"، كما يقول المثل الشعبي العراقي.. نعم هكذا هو الأمر، وهكذا يجب أن نقوله، مهما كان هذا القول صادماً، فنحن أمام خسائر جسيمة، ولكننا أيضاً أمام إنجازات عسكرية، وأمنية عظيمة. وهذه الإنجازات قد تحققت في العراق بعد احتلال داعش لمدينة الموصل، بفضل جهازين وطنيين مضحيين هما جهاز مكافحة الإرهاب، وجهاز المخابرات الوطني.. ونحن نتحدث هنا عن ما حققه الجهازان في السنة الأخيرة تحديداً، مع أن لجهاز مكافحة الإرهاب صولات وجولات منذ تأسيسه قبل عشر سنوات حتى الآن، لكن انجازاته في السنة الأخيرة، لا يمكن لأحد إنكارها فأعترف بها العدو قبل الصديق، وهذا هو المفرح. أما جهاز المخابرات الوطني، فقد كان -والحق يقال -في سبات عظيم، وما حصل من تغيير في إدارته لاحقاً قد انعكس على أدائه، فكان التغيير الذي قام به دولة رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في رئاسة الجهاز موفقاً جداً، حيث أتى ثماره سريعاً على مجمل خطوط جهاز المخابرات. وكم كان بودنا أن نتحدث بنفس اللغة الجميلة عن شقيقهما الثالث -جهاز الأمن الوطني- لكن للأسف، فإن هذا الجهاز لم يرتق بأدائه، وإنجازاته إلى ربع ما حققه شقيقاه جهازا مكافحة الإرهاب، والمخابرات الوطني. لقد فشل جهاز الأمن الوطني في تحقيق الأهداف التي أستحدث من أجلها فشلاً ذريعاً، رغم أن الأجهزة الثلاثة تحظى بنفس الدعم، وتنال نفس المزايا، إن لم يكن جهاز الأمن الوطني قد حظي، ونال امتيازات أكبر!! لماذا نجح جهازا المكافحة والمخابرات، وفشل الأمن الوطني؟ ونحن نتحدث عن هذه الأجهزة الثلاثة (الشقيقة)، يجدر بنا اولاً أن نضع الأسباب التي أعاقت تطور جهاز الأمن الوطني وأفشلته، وأن نذكر أيضاً العوامل التي أنجحت تجربة شقيقيه التوأمين. إن السبب الأول والأهم يعود لقيادات الأجهزة الثلاثة، فالوحدة بآمرها كما يقولون، وجهاز مكافحة الإرهاب حظي -لحسن حظنا جميعاً- بقائد عسكري وطني، غير متحيز لطائفة، أو قومية، أو عشيرة، أو منطقة، مهني متمرس، ذو أفق واسع، وبصيرة عسكرية، وقدرة على إدارة هكذا جهاز، متعدد الوظائف والواجبات، ومتنوع المزايا والتخصصات. ويقيناً أن الفريق أول ركن طالب شغاتي، الذي خبر شؤون الجهاز، يعرف بما لا يعرفه غيره، خاصة وأنه قد عاصر الجهاز منذ تأسيسه إلى يومنا هذا، لذا فإن شخصاً بهذه المواصفات والإمكانات العسكرية والأمنية والإدارية يعد ضمانة من ضمانات نجاح جهاز مكافحة الإرهاب، وعاملاً مهماً من عوامل إنجازاته. ويكفي اليوم أن تطلق اسم جهاز مكافحة الإرهاب أمام أي عراقي حتى تسمع كلمات الحب والإطراء والثناء له ولرئيسه وقادته. ونفس الشيء يقال عن جهاز المخابرات الوطني، فهذا الجهاز قد تحول من الحال الذي كان عليه قبل سنة تقريباً الى حال جديدة، وكأن قوة خفية قد بثت فيه الحياة، وسحراً أحدث بأوصاله كل هذا النشاط، وهذه الهمة. ولو أجرينا مقارنة إحصائية في منجز جهاز المخابرات العراقي قبل، وبعد، تولي الكاتب والمثقف الوطني العراقي الحر مصطفى الكاظمي رئاسته، لوجدنا العجب حقاً، فما يحققه هذا الجهاز اليوم من انجازات استخبارية، وأمنية تدعو للإعجاب، وأنا قطعاً لن أستطيع الوصول الى كامل منجزات هذا الجهاز، في ظل الكتمان الشديد الذي تمارسه أدارة الجهاز في التعامل مع عملياتها البطولية، لكن الذي تبثه هذه الإدارة احياناً وما تعلنه في بياناته -وهو قليل جداً قياساً الى مما تحققه على الأرض – يجعلنا فخورين بهذا الجهاز الوطني الذي بات الدليل والمرشد والموجِّه لأغلب عمليات الطيران العراقي، وطيران التحالف الدولي في اصطياد الأهداف الاستراتيجية، والقيادية لتنظيمات داعش، ليس في العراق فحسب، إنما في سوريا، وغير سوريا أيضاً. أما الحديث عن نشاط المخابرات العراقية في تفكيك الخلايا الإرهابية النائمة سواء في بغداد أو في غيرها فهو يحتاج الى مقال خاص به. أن عقلية، وثقافة، ووطنية، رئيس جهاز المخابرات الوطني مصطفى الكاظمي قد حصنت الجهاز، وحمته من السقوط في حفرة الطائفية، والانحياز العشائري، والمناطقي، وهو الأمر الذي جعله ينجح سريعاً. عشائرية ومناطقية الفياض سبب الفشل الذريع لجهاز الأمن الوطني في المقابل، فإننا نرى أن الثقافة القبلية لرئيس جهاز الأمن الوطني فالح الفياض، وتعصبه لأبناء عشيرته (البو عامر)، على حساب المواطنين الآخرين، وتحيزه المعروف لأبناء منطقته (الراشدية)، قد أضرَّ كثيراً بأداء جهاز الأمن الوطني، فجعله مزرعة من مزارع الفياض الكثيرة، وملكاً من أملاك (آل فياض)، وبالتالي أصبح بلا حول ولا قوة قط!! ومع كامل احترامنا للسيد فالح الفياض، فإن الفساد الذي ينخر في جسد وروح هذا الجهاز بات معروفاً في أوساط المجتمع العراقي، وخاصة الشباب، فالجميع يعلم اليوم إن بإمكان أي (شخص عامري) الانتساب لجهاز الأمن الوطني بسهولة، وبإمكان أي شخص من سكنة (الراشدية) أن يحظى برتبة ضابط في هذا الجهاز بيسر، بينما تجده مغلقاً بوجوه العراقيين، الاَّ من يأتي بورقة مرور من (رئيس تيار الإصلاح الوطني)! إذاً، فلا عجب إن ينخر الفساد مفاصل (الأمن الوطني)، لأن المحسوبية والمنسوبية إذا دخلت موقعاً دمرته، وإذا نفذت الى مكان هدمته، فهي تدمر أعظم البناءات، وتسقط أفخم الهياكل الحديدية، فما بالك بجهاز ضعيف أصلاً، ولد مشوهاً، وعاش كسيحاً، ومعاقاً؟ في الختام، إن أردنا لجهاز الأمن الوطني أن يكون بمستوى الفكرة التي تأسس من أجلها، وإن طمحنا الى أن يكون بمستوى أداء شقيقيه، أقصد : جهاز مكافحة الإرهاب والمخابرات الوطني، فعلينا أن نأتي برئيس جديد مثل شغاتي، أو الكاظمي. ويقيناً أن في العراق آلاف الشخصيات القيادية الوطنية التي لا تقل مقدرة وكفاءة ووطنية عن طالب شغاتي أو الكاظمي.