متابعة - العراق اليوم:
عام 1975 وصل رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك جاك شيراك إلى العاصمة العراقية بغداد. من ضمن التعاون الذي طرح حينها خلال الاجتماعات التي جرت بين مسؤولي الجمهوريتين، مساعدة العراق في إنشاء أول مفاعل نووي في العالم العربي. بعد تلك الزيارة سافر نائب رئيس جمهورية العراق صدام حسين إلى باريس لبدء التعاون النووي.
توجيه البوصلة العراقية إلى فرنسا بالتحديد في إنشاء المفاعل النووي العراقي، كان سببه أن فرنسا قادرة على تزويد بلاد ما بين النهرين بـ”الماء الثقيل”، ويسمى أيضاً أكسيد الديوتريوم أو D2، الذي ينفع في بعض المفاعلات النووية.
تم الاتفاق بين لجنتين عراقية وفرنسية مختصتين بالطاقة، على إنشاء مفاعل تموز النووي بقيمة 450 مليون دولار أميركي. لكن روايات ومصادر تقول إن “إسرائيل كانت تخشى من هذا المشروع ومارست ضغوطاً على فرنسا حتى لا تبيع العراق الماء الثقيل، وهذا ما تحقق”.
مصادر مكتوبة أخرى عن مفاعل تموز النووي، تُشير إلى أنه عام 1979 كان قلب المفاعل النووي الموجود في شركة C.N.A.M، وهي إحدى الشركات المنفذة للمشروع، جاهزاً للشحن من فرنسا للعراق عبر ميناء سين سور الفرنسي. لكن عملية تخريبية من أشخاص دخلوا للموقع تسببت بأضرار أخرت إرساله إلى العراق.
وأدت المخاوف الإسرائيلية من البرنامج النووي العراقي إلى تنفيذ الهجوم الجوي ضد مفاعل تموز في 7 يونيو 1981. إذ عبرت طائرات إسرائيلية مقاتلة الأجواء الأردنية، قبل سنوات على توقيع اتفاقية وادي عربة، ووقفت بالقرب من الحدود السعودية وقصفت المفاعل النووي العراقي.
لم تأخذ الطائرات الإسرائيلية وقتاً كبيراً حين أقلعت من القواعد العسكرية الإسرائيلية، فعادت بعد ساعتين، بعد أن قصفت المفاعل بـ16 صاروخاً في دقيقتين فقط. وقال آنذاك رئيس الحكومة الإسرائيلية، مناحيم بيغن: “مفاعل تموز كان على وشك أن يصبح عملانياً مما كان سيتيح للعراق إنتاج قنابل ذرية”.
قبل ذلك، وقع العراق عام 1960 على بروتوكول نهائي لبناء مفاعل نووي تجريبي صغير للأغراض السلمية بطاقة 2 ميغاواط، بين العراق والاتحاد السوفياتي. وبالفعل، سلمت موسكو بغداد اليورانيوم 235 المخصب بنسبة عالية، وبادرت إلى تأهيل وتدريب وتعليم خبراء عراقيين لإدارته.
وبمناسبة مرور 35 عاماً على ضرب مفاعل تموز النووي من قبل إسرائيل، قال أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب البروفيسور آيال زيسر، لصحيفة “إسرائيل اليوم”: “مرور 35 عاماً على هجوم إسرائيل على العراق عام 1981 يشكل فرصة مناسبة لاستخلاص الدروس. حين هاجمت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي المفاعل النووي العراقي، الذي أقامه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ووضعت حداً للحلم النووي لحاكم العراق”.
العراق الذي انشغل بحربه مع إيران، مدى 8 سنوات، بقي يسعى لتخصيب اليورانيوم. لكن المفاعل تعرض مجدداً للأضرار، بسبب ضربات التحالف الدولي الذي شن عليه غارات بعد أن دخل الجيش العراقي إلى الكويت عام 1991.
ووفقاً لتقارير الإدارة الأميركية، التي تحدثت عن وجود أسلحة كيميائية في العراق، شنت على إثرها حرب عام 2003، تعرض الموقع لمزيد من الدمار فتمت تسوية أجزاء منه بالأرض. كما تعرض للنهب والسلب مع دخول القوات الأميركية، وكان هدفاً للمجاميع التي سرقت مؤسسات الدولة العراقية، مثلما كانت منشآت حيوية أخرى هدفاً لتلك السرقات.
بعد نحو 3 عقود على ضرب المفاعل النووي العراقي، يعمل العراق على تفكيك تلك المفاعلات التي أنشأها صدام حسين لإنتاج قنبلة ذرية. المفاعل الذي يقع جنوبي العاصمة بغداد، يبعد عنها 20 كم تقريباً.
وتسعى وزارة العلوم والتكنلوجيا العراقية الآن إلى تدريب عدد آخر من العاملين في الموقع لتفكيكه. الموجودن الآن عددهم 20 شخصاً، وما يعوق العمل هو مساحة التلوث التي خلفها هذا المفاعل، لذا يُقدّر أن أعمال التنظيف من الإشعاعات والمواد الضارة قد تستغرق عقوداً عدة.
وتقول تقارير صحافية إن جماعات بحثية عثرت على خزانات ملآى بالمياه الملوثة بالإشعاعات في بعض المباني، وأنفقت الولايات المتحدة نحو 70 مليون دولار لضمان نقل نحو 550 طناً من أوكسيد اليورانيوم، المعروف باسم “الكعكة الصفراء” إلى كندا.
وعام 2012 وقعت وزارة العلوم والتكنلوجيا العراقية اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي لتمويل مشروع خاص بإعداد دراسة، لاختيار موقع وتصاميم منشأة لطمر النفايات المشعة في موقع التويثة. حينها قالت منظمة السلام الأخضر الدولية إنه سيجري بموجب تلك المذكرة بناء مكب للنفايات النووية المشعة في موقع التويثة النووي، مقابل منح الاتحاد الأوروبي مبلغ 2.6 مليوني دولار للعراق”.
ونقلت المنظمة عن صفاء الجيوسي، منسقة حملات الطاقة والمناخ لـGreenpeace في الأردن، أنه لا توجد طرق آمنة لدفن هذا النوع من النفايات أو طريقة مضمونة لعزلها عن البيئة المحيطة، إذ تحتاج إلى مئات آلاف السنين لتصبح آمنة”. وتعتقد الجيوسي أن “كمية النفايات التي تنتج بكل خطوة من دورة الوقود النووي، سواء كانت من استخراج اليورانيوم إلى تخصيبه، ثم تشغيل المفاعلات النووية، هائلة، وتأثيرها السام سيستمر للأجيال المقبلة”.
ويبقى العراق، الذي عمل منذ 48 عاماً على إنشاء مفاعلاته النووية، غير مستفيد منها. فهي تعرضت للتدمير بعد فترة قليلة من الإنشاء، وبعد عقود من تدميرها ستضر عمليات دفن تلك المفاعلات العراقيين، وقد تصيبهم بأمراض سرطانية خطيرة.