بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
المواقف المتناقضة التي يشهدها العالم اليوم تدعونا الى التفكير العميق.
فهناك خطاب رسمي للدول الاوربية يدعم العدوان الإسرائيلي ويطلق له الضوء الاخضر ليوغل في قتل الفلسطينيين، يقابله صوت تضامن اوربي شعبي صادح مع الشعب الفلسطيني، ساخط على العدوان الإسرائيلي ومستنكر له. وقد اتضح بشكل جليّ ان اليمين واليمين المتطرف اللذين يشكلان الأغلبية الحاكمة في الغرب، ادارا ظهرهما للمواثيق والقوانين والأعراف الدولية التي تحرّم قتل المدنيين وترهيبهم واستخدام الأسلحة الفتاكة ضدهم، كما تدين إرهاب الدولة.
وتعكس مواقف حكومات اليمين الداعمة للأساليب الفاشية ازمة ضمير مخجلة، حيث تستسهل قتل الأطفال، ولا يرف لها جفن ولا تشعر بالعار حين تشاهد بأم عيونها جثث الأطفال وأشلاءهم، التي لا قدرة لمن يمتلك ذرة من الإنسانية على مشاهدتها ومشاهدة ما يماثلها في وسائط التواصل الاجتماعي. وتعبّر هذه المواقف عن ازمة أخلاقية، وغرق في المصالح الضيقة والانانية، بما يعبر عن توحش همجي مناقض كليا لما يدعون من تمدن وتحضر.
ثم اننا نتذكر جيدا كيف كان صوت هذه الحكومات وما زال عاليا ضد حرب روسيا على أوكرانيا، وحتى فرضت عقوبات عليها، مع ان الحرب الروسية - الأوكرانية حرب نظامية ألزمت روسيا نفسها فيها بالقانون الدولي الإنساني بحذافيره. ونحن هنا لا نبرر الحرب ولا نشجع عيها، بل يبقى موقفنا رافضا للحرب، داعيا الى وقفها واللجوء الى طاولة الحوار وحل المشاكل بين الدولتين سلميا.
لقد لطخ الغرب الداعم لإسرائيل، وهي تشن العدوان على غزة وتدمر البيوت الآمنة وتقتل الأطفال والنساء وكل كائن حي فيها، تاريخ الديمقراطية الغربية بوصمة عار لا تمحى، وأخزى تاريخ حرية التعبير التي اتضح انها، في قاموس اليمين، غير مكفولة الا في حالة تدفقها في مجرى مصالحه السياسية والاقتصادية. اما في حال العكس، فكل وسائل التعبير تُراقَب وتُفلتر، باستخدام آخر مبتكرات العلم والتكنلوجيا، الى جانب وضع العراقيل الفنية والمصدات امام النشر والبث، كي لا يظهر موقف او صورة تتصدى للعدوان وتنتصر للحق. والأدلة على ذلك كثيرة بحيث يتعذر احصاؤها، حيث تم حجب مئات الآلاف من المقالات والصور على منصات الفيسبوك وتويتر والتك توك، كما أغلقت حساب عشرات المدونين.
كل ذلك وضع الديمقراطية الغربية امام امتحان الصدقية، واتضح انها تحتاج الى مراجعة فكرية عميقة، لتخليصها من شكلياتها ومنحها محتوى ديمقراطيا إنسانيا وعميقا. ويبدو جليا ان اختصارها في العملية الانتخابية وتداول السلطة سلميا، ليس كافيا من دون الدفاع الصارم عن الانسان وحياته وكرامته. كما يبدو ان الحاجة ماسة الى اعلاء شأن الفكر السياسي المستند على قيم التضامن الانساني، وعدم استخدام الوسائل الحديثة للتكنولوجيا وأدوات العولمة لقمع حرية الراي ومصادرتها.
ان التضامن الإنساني موقف أخلاقي وعملي، يجسد التصدي بشكل جماعي للظلم والاضطهاد والاستبداد. وهو أيضا مسؤولية جماعية تتحدى عنف الدولة وارهابها، وتنهض في نهاية المطاف على قواعد أخلاقية، يحركها الضمير والوجدان.
*
اضافة التعليق