بغداد- العراق اليوم:
افتتاحية جريدة الحقيقة
فالح حسون الدراجي
منذ أيام قليلة طرح المطرب (فضل شاكر) أغنيته الجديدة (صحّاك الشوق) التي كتبتها ولحنتها المبدعة اليمنية جمانة جمال، وقام بتوزيعها الموزع حسام صعبي. وبكل صدق وصراحة أقول إني لم أستمع إلى أغنية مثل أغنية صحاك الشوق، تحملني على اجنحة الحنين إلى زمن الغناء الرومانسي الجميل، زمن رقة وعذوبة ورومانسية عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة وعبد الوهاب وفائزة أحمد ومحرم فؤاد، وغيرهم من مبدعي ذلك الزمن الحلو .. كما لم أجد منذ عقود، أغنية مثل هذه الأغنية تحيلني إلى عالم تمنيته وتخيلته وحلمت به منذ أن وطئت قدماي أرض الفن والحب والشعر والجمال .. وكي أكون دقيقاً فإن هذه الأغنية لم تبهرني بكلماتها ولحنها- رغم روعتها- بقدر ما أبهرني أداء وصوت وإحساس ورقة وسحر وانسجام فضل شاكر .. وبصراحة، فأنا لم أدهش بسبب الإقبال الجماهيري العربي الهائل والمنوع، الذي وصل الى عشرات الملايين من المشاهدات على القنوات، ومواقع التواصل الإجتماعي لاسيما (اليوتيوب)، ولا إلى هذا الكم الهائل من مقالات الاعجاب والمديح التي سطرتها أقلام متخصصة في الميدان النقدي اللبناني والعربي، الأمر الذي أثار حسد الحاسدين، و أفقد صواب بعض الفنانين اللبنانيين والعرب، مما دفعهم الى التقليل من شأن الأغنية وأهميتها، حتى أن البعض ادّعى أن لحنها مسروق من أغنيتي (يا هلا بالضيف) ألحان الفنان الكبير فيلمون وهبي، وغناء سميرة توفيق، وأغنية (صاير كذاب يلي بحبو) ألحان الموسيقار ملحم بركات، في حين أن البعض يرى أن اللحن يسير على خطى أغنية (سلملي عليه) رائعة الفنان الراحل زياد الرحباني، وغناء السيدة فيروز.. وأنا شخصياً لا أرى ذلك قطعاً، إذ ربما تحاكي أغنية (سلملي عليه)، لكن دون أن تلتقي معها لحنياً.. فأغنية (صحاك الشوق) تقيم برأيي على ضفة لحنية وموسيقية تبتعد كثيراً عن ضفاف الأغنيات الثلاث .. ومحصلة القول: إن هذه الأغنية التي هزتني برقتها، ورومانسيتها، وبأداء فضل شاكر الباهر ، وإحساسه الفني الذي يقترب إلى حد كبير من احساس العندليب عبد الحليم حافظ، رغم أن الأغنية قد سجلت بأدوات محلية، وبآلات شرقية محدودة، وفي مكان بسيط يقع داخل منزله في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان.. ورغم أن الأغنية نشرت عبر منصات رقمية واحدثت كل هذا الدوي والضجة، أقول إن كل ذلك لم يدهشني ويحيرني ويثير بي أسئلة افتراضية بقدر ما اربكني سؤال واحد، سؤال واحد..أدفع ما أستطيع دفعه ثمناً لجوابه، والسؤال : كيف يتحول هذا الفنان المرهف والرقيق والممتلئ عذوبة، وشجناً، وجمالاً إلى خنزير مدجج بالعدوانية، والدم، والإرهاب الطائفي؟! كيف يسقط"ملك الإحساس" في فخ الإرهاب الطائفي الخبيث .. وأين ذهب كل ذلك الدفء وتلك المشاعر الحميمية، والى أين مضت تلك الرقة والعذوبة والرومانسية ساعة ارتكاب جرائم القتل؟ ولعل القلب يسأل هنا قبل العقل، ويقول: كيف يمكن لفنان جميل، وقمر مضيء مثل فضل شاكر، أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى مجرد مجرم خطير، وقاتل حقير، وكيف يفقد إنسان حائز على شروط الإنسانية، إنسانيته دون سبب واحد.. أيّ علم وأي قانون وأسباب تبرر لفنان يملك الوداعة والعاطفة والهمس الذي يشبه تراتيل الغرام، بأن يقتل، بل ويتفاخر بذبح خصومه بدم بارد.. ؟! أريد جواباً واحداً يقنعني أن فناناً رقيقاً بل وأرق من ورق ( الباڤرا ) وأنعم من العطر، يصبح كلب حراسة لدى ( أمير ) سلفي، ويتحول إلى بندقية ارهابية طائفية تطلق رصاصها على الهوية، فأيّ خلل تاريخي هذا الذي نعيشه اليوم؟! لقد قلب فضل شاكر كل أبجديات الإنسانية، ولغات الحب والجمال رأساً على عقب، وأحدث ( خربطة ) في العلوم والبديهيات والقيم والثوابت الأخلاقية، حتى جعلنا نشكك بكل شيء .. نعم بكل شيء.. وإلّا كيف يمكن لصاحب كل هذا الجمال أن يظهر يوماً أمام الكاميرات متفاخراً بقتل ثلاثة جنود من جيش بلاده، بل وأن يحمل بيده رأس أحد خصومه من أبناء (الطائفة الأخرى) ؟! أنا لا أريد الحديث هنا عن نشأة (اللبناني) فضل شاكر وطفولته ويتمه وعذاباته في مخيم عين الحلوة الفلسطيني، ولا أقبل التبرير تحت هذه الذريعة، لأن اليتم دفع الملايين إلى التميز في حقول الإبداع والحب والسلام، وليس إلى ميادين الجريمة والبغضاء . أنا فقط ابحث عن تفسير علمي واجتماعي وأخلاقي لهذه الظاهرة ( الفضلية ) المجنونة ليس إلا، وأقول: كيف يمكن لحمامة سلام بيضاء، وفراشة جمال رقيقة وملونة أن ترتكب كل هذه الجرائم بحقّ السلام، وبحقّ الحب والإنسان والحياة الجميلة رغم كل القبح الموزع على الكوكب؟!.
فضل شاكر
*
اضافة التعليق