بغداد- العراق اليوم: على الرغم من تراجع أعدادهم خلال العقود الماضية، و هجرة الكثير منهم الى مختلف منافي الأرض، شرقها و غربها، إلا أن اتباع الديانة المندائية، و ما بعرفون شعبياً بـ ( الصبة) لا زالوا محافظين على طقوسهم الدينية، و يمارسونها بكل هدوء و طمأنينة و سلام. الصابئة المندائيون الذين تعد مدينة العمارة، مركزاً اساسياً لوجودهم، ينتشرون على ضفاف الأنهار، في مدن الناصرية و سوق الشيوخ و البصرة و واسط و بغداد أيضاً، و يعيشون بشكل أساس من عملهم في التجارة، و خصوصاً صياغة الذهب و الفضة والمجوهرات. هذه الديانة التي يصنفها علماء الانثروبولوجيا بأنها واحدة من أقدم الديانات السماوية التي عرفتها البشرية، لا تزال تتخذ من العراق مقراً رئيسياً لها و لاتباعها، تحيي مناسباتها بشكل دوري و دائم، متخذةً من نهري دجلة والفرات رمزاً أبدياً لها. عيد الخليقة ( البرونايا) بدأت احتفالات عيد الخليقة (البرونايا) عند طائفة الصابئين المندائيّين، أقدم طائفة توحيدية في العراق، وتستمرّ لخمسة أيّام. بحسب تصريح أمين سر المجلس الروحاني العام للطائفة المندائية انمار عودة مهاوي الذي تحدث لوسائل الإعلام قائلا: في هذه الأيام تجلّت قدرة الخالق لخلق عوالم النور. يمارس أبناء الطائفة طقوسهم في معبدهم "المندي" عند نهر دجلة في مدينة العمارة. خصوصيّة هذه الطقوس دفعت البعض إلى اتهامهم بممارسة السحر والشعوذة، لكنّهم يؤكدون دائمًا إيمانهم بوحدة الله، خالق الأرض والسموات. وأهمّ هذه الطقوس بحسب مهاوي، الصباغة، الذي يأتي منه اسم الطائفة إذ أن كلمة الصابئة مشتقة من الجذر (صبا) والذي يعني باللغة المندائية: "اصطبغ، غط أو غطس في الماء". وهو عبارة عن إدخال المعتمد إلى النهر وإخراجه كي يغتسل من ذنوبه وخطاياه. وهناك طقس آخر، يخبرنا عنه مهاوي، هو الثواب. ويسمى بالآرامية بـ(الفاتورة) أي المائدة. ويمارس هذا الطقس من خلال مشاركة أرواح الموتى ومساعدة المخطئين منهم عن طريق تلوة إحدى الصلوات على طعام ما، لإرسالها ثوابًا إلى النسمة الموجودة هناك حتى تنفك من خطاياها. تزامنًا مع ممارسة الطقوس، تتضمّن هذه الأيام الخمسة العبادة والصوم، ليس فقط عن الطعام بل عن كل ما قد يؤذي النفس. أمّا اللباس المعتمد فأبيض اللون، في إشارة إلى النقاء والنور في هذا العيد الذي تشكّل عودة الانسان الى الفطرة النورانية الأولى غايته الأساس. ورغم ارتباط طقوسهم بالمياه، رمز الحياة، لم يمتهن أبناء الطائفة الزراعة أو الصيد بل اشتهروا بنشاطهم الحرفي مثل صناعة المشاحيف، القوارب وأدوات الصيد في القرى والحدادة، النجارة والصياغة في المدن. عقائديًّا، ترتكز الديانة على كتاب "كنزا ربا" الذي يجمع صحف الأنبياء آدم وشيت وسام، بالإضافة إلى كتاب السيدرا وهو كتاب تعليمي لطقوس الديانة وتعاليمها ويشمل معلومات عن الزراعة ومواعيدها ومواعيد الأمطار. أمّا اللافت فهو أن لكل شخص من أبناء الصابئة اسمين، الأول هو الاسم المدني والثاني وهو بحسب اسم الأم. ولهذه الطائفة أربعة أعياد يحتفلون بها سنويًا وهي: العيد الكبير أو ما يسمى باللغة الآرامية (بالبنجة) أي عيد الخليقة، دهوا ربا، دهوا حنينه وآخرها عيد التعميد الذهبي أو دهوا اد ديمانة. وتتخطّى الاحتفالات بهذه الأعياد حدود بلاد الرافدين لتشمل فلسطين، الشام ومصر وبلدان أخرى إلا أن محافظة ميسان العراقية تعتبر عاصمتهم. فهم هاجرو إليها من فلسطين بعد وفاة النبي يحيي بسبعين عاماً؛ أي عام 30 ميلادي، واستقروا فيها بعد بناء المعابد. ويقدّر عددهم بالعراق بحوالي 10 آلاف شخص، ويتمتّعون بحقوق وواجبات إسوة ببقية المواطنين العراقيين. كذلك، تجمعهم بالطوائف الأخرى علاقات طيبة وأخويّة لا تشوبها أيّ خلافات أو نزاعات. الصابئة في تاريخ العراق ويشكل حضور الصابئة المندائيون ملمحاً واضحاً في تاريخ الدولة الإسلامية و خلافتها في العراق، و خصوصاً في ايام الخلافة العباسية، اذ لمع منهم اشخاص ظلوا عالقين في كتب التاريخ، و منهم أبي إسحاق الصابي، وغرس النعمة الصابي، وقاضي بغداد أبي سعد، وعمران الصابي نديم الخليفة المأمون وغيرهم العشرات. اما في تاريخنا المعاصر، فبرز منهم العشرات ان لم نقل اكثر من ذلك، لاسيما في مجالات الثقافة والإعلام والفنون والعلم، و يكفي ان نذكر اول رئيس لجامعة بغداد، الدكتور عبد الجبار عبد الله، و الشاعرة العراقية الكبيرة لميعة عباس عمارة، والشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد، والشاعر والكاتب همام عبد الغني والشاعر والكاتب يحيى الاميري، والشاعر قيس السهيلي والفنان المصور لؤي عرام والعالم الفلكي عبد العظيم السبتي، وفي السياسة برز منهم الكثير، ومنهم خيري يوسف الحيدر، والمناضل البطل الشهيد ستار خضير الحيدر، والمناضل عزيز سباهي، صبحي سباهي، عبد الهادي السبتي، وفيصل السبتي وغيرهم الكثير. وشكل الحضور التربوي للأسماء الصابئية أيضاً، علامة فارقة، و نبغ منهم الكثير، و منهم الدكتور ابراهيم عزيز السهيلي، التربوي غضبان الرومي، الاستاذ صبيح السهيري، الدكتور عبد الرزاق مسلم، الدكتور قيس مغشغش السعدي، الاستاذ عايش جبر، الاستاذ عبد الفتاح الزهيري، السيدة ناجية المراني، الاستاذ نعيم بدوي، الدكتور موحان منهل، السيدة باشا عبد الله مسلم، الدكتور خالد ياسر صكر الحيدر، الاستاذ نعمان عبد الجادر، الاستاذ خالد عبد الرزاق، الاستاذ خالد ميران، الاستاذ مؤيد سعيد، الاستاذ نزار الحيدر، حامد مغشغش، زهرون وهام الشيخ، صدام الهلالي، فوزي الشذر الاطباء: الدكتور فرحان سيف، الدكتور تحسين عيسى السليم، الدكتور جبار الحيدر، الدكتورة ليلى غضبان رومي، الدكتور وسام البريجي، الدكتور زهير ياسر الحيدر. وبرز في مجال الطاقة الذرية أيضاً، الدكتور ابراهيم خماس، الدكتور مثيل السبتي، فضلاً عن عشرات الكفاءات الوطنية، ومنهم خلف منصور الخميسي، عبد الاله سباهي، مأمون عبد الزهرة شلتاغ، موفق ياسر الحيدر، زميل الدراسة الجيولوجي نمير خلف جابر، و حتى في الجانب العسكري، لمع منهم ضباط وقادة منهم النقيب جبار خضير صكر، الملازم اسعد جابر، الكابتن الطيار طارق الخميسي، المراقب الجوي يحي الجابري وغيرهم. وفي المجال الفني أيضا، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الملحن العراقي عدنان السبتي، و حازم عطية، سوسن يوسف، منعم مظلوم الحيدر، سهام السبتي، مكي البدري، مديح الصادق، غالب ناهي الخفاجي، عباس عمارة المخرج ابراهيم فرحان البدري . ومن وجهاء الطائفة ومختاريها، نذكر عبد الجبار سيف، عيال ال نصار،عبد الرزاق دفتر، ياسر صكر الحيدر، مجيد خالد السهيلي، ديري السبتي، حيدر جودة، خوجة جالس، عامر ضمد.
*
اضافة التعليق