فليحيا الوطن .. فليحيا علي دائي ..!

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

قبل أن أتحدث عن أسطورة إيران الكروية علي دائي، دعوني أحكي لكم شيئاً عن الاتصال الهاتفي الذي تلقيته قبل يومين من صديق عزيز ، يسألني فيه عن رأيي بالحرب الدائرة الان بين طهران وتل أبيب، والموقف المطلوب اتخاذه باعتبارنا ( عراقيين نحمل ضميراً وطنياً، وفكراً تقدمياً عادلاً )، وبماذا أنصحه بعد أن اختلطت عليه الألوان، وبات صعباً قراءة الخريطة السياسية دون الوقوع في الخطأ، كما يقول ..!!

ونظراً لأهمية الحوار الذي جرى بيننا، أنقل لكم بكل صدق وأمانة نصّ جوابي على سؤاله، ونصّ تعليقه على جوابي، متمنياً أن يقرأ العراقيون هذه المحاورة .. 

لقد قلت لصديقي : قبل أن تسألني عن رأيي الشخصي، أرجو أن تسأل عقلك، وقلبك، وتستشير نفسك، حول الموقف الذي يجب عليك اتخاذه في مثل هذه القضية المهمة ؟

فكان جوابه نصّاً: نعم لقد استشرت قلبي، فوجدته يذهب في اتجاه الدعم والتأييد والمساندة لإيران.. 

وقبل أن اسأله عن السبب، قال: لأن ايران مسلمة، ولنا معها روابط دينية وتاريخيّة وجغرافية واجتماعية واقتصادية وثقافية كثيرة، ولأنها وقفت مع شعبنا في الكثير من المحن القاسية،  والأحداث الخطيرة، ومن بينها موقفها الداعم لنا في حرب تحرير مدننا المحتلة من قبل عصابات داعش، وفي عشرات المواقف، والجسور التي توصل بين شعبينا الصديقين.. فضلاً عن أن طهران تعرضت إلى عدوان صهيوني غادر يفترض أن ندينه جميعاً.. ناهيك من أن إيران لم تفكر بضرب أو قصف مرافق ومناشئ اسرائيل، مقارنةً بالكيان الصهيوني الذي وضع ضرب المشروع النووي الإيراني هدفاً رئيساً قبل ان يحدد بقية أهدافه العسكرية والمدنية..!

وحين سمعت تعليقه هذا، قلت له : إذا كان قلبك يقول هكذا، فلماذا تسألني طالباً النصيحة ؟

فقال: القلب والمشاعر شيء، والحسابات والوقائع شيء آخر .. فأنا كعراقي يحب بلاده جداً - والقول لصديقي - تهمني مصلحة شعبي وبلادي أكثر من مصلحة إيران أو غيرها، وهذا حقي الشخصي الذي لايجوز لأحد الاعتراض عليه أو منعي عنه مهما كان .. لكني حين أقرأ وأشاهد اليوم ما يقوله وينشره المحللون السياسيون والمتخصصون بل وحتى بعض المواطنين البسطاء من العراقيين والعرب حول الحرب بين ايران واسرائيل، وهم يحذرون العراق - حكومة وشعباً وقوى سياسية - من خطورة الانزلاق إلى وحل الحرب التي ستأكل أخضره ويابسه إن وقفنا مع إيران ضد إسرائيل، أضع يدي على قلبي خوفاً على بلدي، فأضطر للبحث عن صديق كفوء، ذي رأي صائب، أستعين به وبرأيه على مواجهة هذا الكم الهائل من التحريض والتثقيف السلبي، لأني لم أعد أعتمد على القلب والعاطفة فقط في صناعة موقف صحيح لا يوقعني في منطقة الخطأ. إن قرار الانحياز لإحدى الجهتين المتحاربتين قد يأتي لنا بالخطر.. 

إنه امتحان صعب وخيار شائك دون شك، لذلك استعنت بك..

واستمر صديقي في حديثه قائلاً : أنا حائر  بين الوقوف مع إيران ..  والوقوف …..!!

فقلت له ساخراً: والوقوف مع اسرائيل.. أليس كذلك؟

يا للعار يا للعار .. أتريد رأيي ونصيحتي بين أن تقف مع إيران أو الكيان الصهيوني .. أجننت يا صديقي، أم ماذا؟

 أين هي وطنيتك، وأين  تضع تقدميتك وإنسانيتك وضميرك الناصع الذي لم تلوثه كل مصائب الحياة، ولا إغراءات الدنيا، وماذا تقول لمسيرتك الشريفة التي عرفتها، ورافقتك فيها خمسين عاما، فأية نصيحة مجنونة تريدها مني ؟!

لكنّ صاحبي انتفض وصرخ كالملدوغ: لا يا أبا حسون لا تفهمني خطأً، فمعاذ الله أن أكون مع كيان صهيوني مجرم ضد شعب مظلوم !

إن شخصاً مثلي تجرع كؤوس الظلم على يد أعتى الطغاة، لا يمكن قطعاً أن يقف مع طاغية آخر مثل (نتنياهو) وكيان غاصب مثل الكيان الصهيوني، وضد من؟ ضد شعب إيران المسلم والجار والصديق.

لقد سألتك النصيحة حول الوقوف مع إيران أم اتخاذ موقف حيادي بين نظامين أحدهما صهيوني والآخر إسلامي متشدد راديكالي؟ وليس بين ايران واسرائيل ! فأنا أكره الكيان الصهيوني بكل تفاصيله، وفي الوقت نفسه، أنا لست معجباً ولا منجذباً لنظام الحكم في طهران  ..

قاطعته بقولي: لكنّ الحرب الآن ليست بين نظام ايران ونظام اسرائيل، إنما هي حرب تدميرية وعدوانية ظالمة تشن على شعب إيران برمته وكل أطيافه، وبرأيي الشخصي، أن كل محاولة لتبرير الوقوف مع الكيان الصهيوني، أو حتى الحياد، بحجة الاختلاف مع نظام الحكم الإيراني، هي محاولة تبريرية مكشوفة، يسقطها الواقع والمنطق، وحجم القتل والدمار الهائل الذي تمارسه قوات المجرم نتنياهو .. فالقضية قطعاً ليست قضية اختلاف أنظمة سياسية حاكمة، ولا قضية مشاعر مؤيدة أو معارضة.. إنما هي قضية شعب يراد اليوم تدميره أمنياً واقتصادياً ووجودياً، وهي قضية حق وباطل، فإما ان تقف مع الحق بكل ما فيه، أو تقف مع الباطل.. 

وهذا لعمري لا يتطلب منك تفكيراً طويلاً وعميقاً، ولا استشارة من أحد، ما دمت تملك عقلاً منوراً، وفكراً وضميراً عادلاً.

أما الحديث عن عدم تعاطفك مع نظام ايران الإسلاميّ، فهذا أمر آخر ليس الآن وقت الحديث فيه، ولا يبرر لك اتخاذ موقف مؤيد للكيان الصهيوني أبداً، بل ولا يسمح لك حتى بموقف المتفرج من حرب تسعى لتدمير شعب بريء وآمن.. وأنا لا أريد أن أغير قناعاتك بطبيعة النظام الإيراني، فهذا رأيك - وأنا أحترمه رغم اختلافي معك فيه - 

لكني فقط أردت أن أحيلك إلى ما كتبه مواطن إيراني معروف بمعارضته القوية والشديدة للنظام الإيراني، وهذا المعارض هو النجم الكروي والأسطورة الإيرانية ( علي دائي )، الذي كتب  تغريدة قبل يومين، باتت درساً بليغاً يتدارسها الناس في مختلف دول العالم وليس في إيران فحسب، حيث كتب دائي يقول نصاً:

(هل يُعقل أن يُحرق وطني ولا أشعر بلهيب داخلي؟

‏آمل أن أموت، على أن أكون خائنًا !

فليحيا الوطن) !

وأكملت حديثي لصديقي قائلاً: لقد ترجم (علي دائي) موقفه بهذه النصاعة وهذا الوضوح والنقاء والشرف والجمال رغم معارضته الشديدة لنظام الحكم في طهران، فوضع بذلك كل المتحججين باختلافهم مع النظام الإيراني في زاوية حرجة، بل ووضع الإيرانيين وأصدقاءهم دون استثناء أمام مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية والإنسانية .. وأظن أن ما قاله هذا المعارض الكبير، بات حجة دامغة عليك وعلينا، فهل أنت أشدّ معارضة منه ؟!

 وقبل أن أنهي مكالمتي مع صديقي، ختمت حديثي معه بنفس الكلمات التي ختم بها علي دائي تغريدته: فليحيا الوطن .. !!

لكنّ صديقي فاجأني وهو يهتف بصوت عال أيضاً :

فليحيا الوطن .. فليحيا ويعيش علي دائي !!

المعارض علي دائي

علق هنا