بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
أنا على اطلاع مباشر بتجربة اليسار الإيراني، ومهتم بالحركة الاجتماعية الإيرانية وانشطتها. وأحد أقرب رفاق دربي الراحل "حيدر شيخ علي" قضى سبع سنوات في سجن "إيفين" سيّئ الصيت، بينها سنة ونصف في زنزانة انفرادية، وعانى خلالها من صنوف التعذيب والانتهاكات التي لا تُحتمل. ومن أراد أن يتخيل جانباً من هذه المعاناة، فليعد إلى رواية (الآن هنا .. الشرق المتوسط مرة أخرى) للروائي الراحل "عبد الرحمن منيف"، وتحديداً فصل "خرائط الحضور والغياب".
أنجزت مؤخراً كتاباً بعنوان (اليسار الإيراني بعيون عراقية)، سأدفعه إلى النشر قريباً، وفيه أتناول بالنقد الصريح والمعمّق صفحات من تاريخ القوى اليسارية الإيرانية.
وقد جاء في الإهداء: (أهدي هذا العمل تخليداً لتاريخ كل مناضل ذاق قسوة زنازين السجون الإيرانية القاسية: قصر، قوجان، باغ مهران، قراركاه رمضان، وأبشعها ذلك الجحيم المسمى "إيفين"، السجن الرهيب الذي احتضن تحت سقوفه المنخفضة صرخات المقهورين، وآهات المناضلين الذين وقفوا في وجه الطغيان).
لكن، ورغم كل هذا، لا يمكنني أن أقف متفرّجاً أو شامتاً حين تُقصف طهران. أعرف تماماً ما تمثّله إسرائيل من مشروع استيطاني إحلالي قائم على القوة والعنصرية والتوسّع. وأعرف بشاعة جرائمها، من غزة إلى بيروت، وأرفض كل محاولاتها فرض الهيمنة بالقوة وتكريس واقع الاحتلال.
ما يقوم به الكيان الإسرائيلي اليوم ليس سوى حلقة جديدة في مشروع كولونيالي استيطاني دموي، بدأ مع نشأته ولا يزال يتواصل بهدف استئصال الشعب الفلسطيني، وتفكيك مجتمعات المنطقة، ومنع أي إمكانية لاستقرارها أو نهوضها.
فالكيان ليس مجرّد قوة احتلال، بل هو مشروع اجتثاثي منظم، قائم على الإبادة، والتوسّع، وإنكار الآخر. إنه كيان نشأ وتمدّد على نفي التاريخ، وسحق الجغرافيا، وإلغاء وجود الشعوب وحقوقها في الحياة والسيادة والكرامة.
من جهة أخرى، نعم، هناك تدخلات إيرانية في الشأن العراقي، وأعلم أن هناك ميليشيات استقوت بالنظام الإيراني وتجبرت، لكن هذه التدخلات ما كانت لتحدث لولا ضعف النظام السياسي العراقي، وارتهانه، وتفككه الداخلي، وفتحه الأبواب لكل مَن هبّ ودبّ، في ظل غياب مشروع وطني مستقل، وانعدام الإرادة السيادية الحقيقية.
موقفي واضح لا لبس فيه:
أرفض العدوان، وأدافع عن كرامة الشعوب، أياً كانت طبيعة الأنظمة التي تحكمها. لا أنحاز للأنظمة، بل أنحاز للحق، وللسيادة، ولحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الناس في أن لا يكونوا وقوداً لحروب الآخرين.
*
اضافة التعليق