مصطفى حبيب
عند بلدة "بيجي" شمال صلاح الدين لا يمر يوم على المفوض في مركز الشرطة هناك سعد العزاوي دون ان يدوّن في سجلات الهجمات الارهابية هجوما جديدا على المنطقة الجغرافية الواقعة شمال المدينة والمجاورة لمحافظة ديالى، بينما يقوم الضابط المسؤول عن سعد بإبلاغ السلطات في بغداد حول إحصاءات هذه السجلات، ولكن الحكومة منشغلة في معركة أخرى في الموصل.
منذ أسابيع قليلة تزايد عدد الهجمات بشكل مخيف، يقول المفوض سعد لـ "نقاش"، ويضيف "قبل اشهر كانت الهجمات محدودة ونادرا ما يهاجم الإرهابيون مدينتنا التي تحررت قبل عامين من داعش، ولكن هذه الايام الوضع مختلف، هجمات عديدة يشنها الإرهابيون بشكل خاطف دون العثور عليهم، الشهر الماضي سجلنا أكثر من اربعين هجوما".
الأسبوع الماضي قتل (21) شخصا وأصيب العشرات بتفجيرات انتحارية استهدفت حفلا للزفاف في قرية "الحجاج" التابعة إلى بيجي في اعنف هجوم على المدينة منذ شهور، وكان أربعة انتحاريين نجحوا بالتسلل الى حفل الزفاف بينما تسلل آخر الى سوق القرية وفجر نفسه هناك.
ويبدي مفوض الشرطة سعد استغرابه من عدم اكتراث الحكومة بهذه الحوادث الخطيرة، ويقول "انشغال الحكومة في معركة الموصل فسح المجال للمتطرفين بالتسلل الى مدن اخرى، يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع الإرهابيين من إعادة تنظيم صفوفهم".
مضت عشرون شهرا على تحرير بلدات تكريت، بيجي، الشرقاط، الدور، العلم، الصينية، ويثرب في صلاح الدين على يد قوات الجيش العراقي والفصائل الشيعية ومقاتلي العشائر السنية، وعاد النازحون الى منازلهم تدريجيا، ولكن مع انطلاق معركة تحرير الموصل عاد الخطر إلى صلاح الدين مجددا.
وتكمن العقدة الأمنية في سلسلة جبلية طويلة تسمى "مكحول" وتمتد من محافظة ديالى شرقا مرورا بمحافظة كركوك وصولا الى شمال صلاح الدين، وهذه السلسلة الجبلية يسيطر عليها "داعش" بقوة، ولم تنجح العشرات من العمليات العسكرية للحكومة العراقية في طرد الإرهابيين منها.
المئات من مقاتلي "داعش" بدأوا يتسللون إلى هذه الجبال قادمين من الموصل بعد محاصرتهم من قوات الامن العراقية هناك، وفقا للقيادي في "الحشد الشعبي" أكرم العبّودي، ويقول لـ "نقاش" "نعلم جيدا ان داعش عاد الى هذه المناطق ولكنه ضعيف ويستخدم هجمات خاطفة وسريعة من قبل وحدات قتالية لا يتجاوز عدد الواحدة منها عشرة أشخاص وسرعان ما يلوذون بالفرار كالأشباح".
المعموري خسر عددا من زملائه المرابطين على سواتر ترابية تقع بجوار جبال مكحول لمنع المتطرفين من الوصول الى مراكز المدن والقرى والمأهولة بالسكان، وينتقد العبّودي الحكومة ويطالبها بإرسال تعزيزات عسكرية الى هذه المنطقة، "اختار الجيش الذهاب بعيدا الى الموصل وترك خلف ظهره هذه المنطقة الخطيرة، لم يستمع احد الى الحشد الشعبي عندما طالب بتطهير بقايا داعش قبل الذهاب الى الموصل".
ولكن مسؤولين محليين يتحدثون خلف الكواليس عن مشكلة تواجه مدينتهم تتعلق بوجود أربعة تشكيلات امنية غير متجانسة تدير الأمن في صلاح الدين، الجيش، الشرطة المحلية، الفصائل الشيعية، قوات العشائر، وتدار الشؤون الأمنية بعشوائية عبر قرارات فردية غير منسقة بعيدا عن رقابة الحكومة العراقية، كما يقول احد المسؤولين الذي طلب عدم الإشارة الى اسمه.
ويقول هذا المسؤول أيضاً إن مجلس المحافظة يسعى منذ أشهر لتوحيد السلطات الأمنية الأربعة في قيادة واحدة لتسهيل مهمة الأمن، ولكن دون جدوى، فكل تشكيل امني يتصرف بشكل مستقل وفي بعض الأحيان دون تنسيق مع مجلس المحافظة الذي يمتلك الحق القانوني في إدارة الأمن.
"ديالى على خط النار"
السيناريو ذاته يواجه أيضاً محافظة ديالى المجاورة الى صلاح الدين، في الأسبوع الماضي نجح مقاتلو "داعش" من التسلل الى بلدة "العظيم" للمرة الاولى منذ ثلاثة أعوام، وشن المتطرفون ايضا هجمات خاطفة على نقاط التفتيش المرابطة على الحدود الإدارية مع صلاح الدين.
في منطقة جغرافية وعرة تسمى "مطيبيجة" وتقع بين صلاح الدين وديالى يتحشد العشرات من مقاتلي "داعش" منذ اسابيع، وهم اليوم أصبحوا قوة خطرة على ديالى، كما يقول المسؤول المحلي عدي الخدران، ويضيف لـ "نقاش" ان "مقاتلي داعش الذين هربوا من صلاح الدين وديالى وكركوك خلال المعارك قبل أشهر باتوا يتحصنون في مطيبيجة".
"يجب على القوات الامن تحرير هذه المنطقة الإستراتيجية التي أصبحت مؤخرا معسكرا لتجنيد الانتحاريين وتصنيع السيارات المفخخة، وفي الآونة الاخيرة بدأ داعش يستخدم الطائرات المسيّرة لرصد مواضع القوات الأمنية، على الحكومة التحرك سريعا"، وفقا للخدران.
ديالى التي كانت تعتبر محطة استراحة الجهاديين قبل سنوات، وفيها قتل زعيم تنظيم "القاعدة" ابو مصعب الزرقاوي من قبل القوات الأميركية عام 2006، كانت اولى المدن العراقية التي تحررت من تنظيم "داعش" وعاشت خلال السنوات الثلاثة الماضية في استقرار امني كبير.
ولكن انطلاق الحملة العسكرية لاستعادة الموصل في تشرين الاول (اكتوبر) 2016 اضطرت الحكومة العراقية الى نقل قوات كبيرة من الجيش العراقي في ديالى الى الموصل، وهذا خلق فراغا امنيا حاول "داعش" استغلاله لشن هجمات جديدة.
الخميس الماضي اعلنت قوات "الحشد الشعبي" تشكيل قوة امنية جديدة في ديالى لسد الفراغ الامني في المدينة ومواجهة تهديدات "داعش"، بينما يواصل "داعش" هجماته على نقاط تفتيش تقتل وتصيب العشرات من الجنود دون اكتراث حكومي وإعلامي لان الجميع على ما يبدو منشغل بالمعارك الدائرة في الموصل.
"الحويجة.. ولاية داعش الآمنة"
الخطر الحقيقي الذي يواجه ديالى وصلاح الدين يكمن في مدينة "الحويجة" جنوب محافظة كركوك، وهذه المدينة ما زالت تحت سيطرة "داعش" وبقيت آمنة عن العمليات العسكرية البرية للحكومة العراقية، لأسباب سياسية وأخرى عسكرية.
تقع الحويجة على السلسلة الجبلية في "مكحول" و"حمرين" وكان من المفترض ان تقوم الحكومة العراقية بتحريرها قبل الذهاب اقصى الشمال الى الموصل، ولكن الازمة السياسية حول كركوك بين العرب والكرد والتركمان حال دون تشكيل تحالف عسكري بين الجيش والبيشمركة لتحرير المنطقة.
محافظ صلاح الدين احمد الجبوري يقول لـ "نقاش" "الجميع يعلم خطر الحويجة، وعلى الحكومة الاسراع في تنفيذ عملية عسكرية لتحريرها ليس فقط لحماية صلاح الدين وديالى وانما لإنقاذ آلاف من سكانها المحاصرين هناك، يوميا تستقبل قواتنا الأمنية عددا من العائلات الهاربة سريا من الحويجة وهم يعانون من مأساة إنسانية حقيقية".
وتطالب الفصائل الشيعية بالمشاركة في اي عملية عسكرية لتحرير الحويجة من اجل قرى شيعية متواجدة هناك، بينما ترفض قوات البيشمركة ذلك خشية بقاء المقاتلين الشيعة في المدينة بعد طرد المتطرفين منها، بينما لا تمتلك العشائر السنية هناك قوة امنية جيدة لاستعادة مدينتهم، فيما تتجنب الحكومة العراقية في بغداد الخوض في جدال سياسي وفضلت الذهاب الى الموصل البعيدة لتحريرها.
- المصدر: نقاش