قطاع 43 .. قطاع ناطق هاشم وفالح حسون

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

افتتاحية جريدة الحقيقة

لم تكن هناك نجومية في مدينة الثورة أعلى من نجومية لاعبي الكرة البارزين، ثم تأتي بعدهم نجومية الشعراء والفنانين 

.. وأنا هنا أتحدث عن الفترة التي سبقت نجومية الشيوخ المعممين، والرواديد البارزين، وجماعات اليوتيوبر، أو ما يطلق عليهم اليوم بصانعي المحتوى المرئي على اليوتيوب، والذين اكتسبوا شعبيةً عبر نشر مقاطع الفيديو الخاصة بهم على موقع الفيديو يوتيوب.. لذا يمكن لنا أن نسمي زمن العقود الثلاثة التي سبقت العقدين الأخيرين، بزمن اللاعبين والشعراء والفنانين، وليس زمن المعممين والرواديد وصناع المحتوى، كما هو الحال الآن.. فكان القطاع في مدينة الثورة يسمى - من قبل الناس طبعاً وليس من قبل الدولة- بقطاع اللاعب أو الشاعر أو الفنان الفلاني، تعريفاً بذلك القطاع، واختصاراً للشرح والتوصيف، وهو دلالة واضحة على شعبية اللاعبين والشعراء آنذاك.. وهكذا كان الناس يسمون قطاع ١٢ مثلاً بقطاع فلاح حسن، وقطاع ٣٧ بقطاع كريم صدام، وقطاع ٢٧ بقطاع كاظم وعل، وقطاع ٤١ بقطاع اللاعب عباس عبيد، وقطاع ٢٣ بقطاع راضي شنيشل، وقطاع ٤٤ بقطاع اللاعب باسم قاسم، وقطاع ٢١ بقطاع حسين لعيبي، وقطاع ٣٣ بقطاع اللاعب عبد الزهره اسود، والشيء نفسه يقال عن القطاعات الأخرى التي يسكنها اللاعبون مهدي جاسم وفيصل عزيز وحنون مشكور ورحيم حميد، وشقيقه جبار حميد، وابراهيم علي ونعيم صدام، وكريم زامل وخليل ياسين، وطارق حنيص، وهاشم رويض وشاكر محمود، وكاظم صدام، وكريم هادي، وصبري كاظم، وحسين علي ثجيل، وحسين مخرب، وتركي جبار، وبشار رشيد، وكاظم عبود ورسن بنيان وكاظم لعيبي ومجبل عبد، وجمعة عليوي ، واللاعب علاء كاظم ، وحسين جعفر، ولعيبي فرحان، وسمير كاظم، وفيصل غضبان، ورعد كاظم و حبيب جعفر وحمزة هادي وعلي هادي ، وغيرهم من النجوم الذين ترعرعوا في مدينة الثورة المعطاء.

وهناك قطاعات في المدينة يسميها الناس بأسماء الشعراء والفنانين الذين يسكنون فيها، مثال على ذلك قطاع ٣١ الذي كان يسميه الصغار والكبار بقطاع كاظم اسماعيل الگاطع، وقطاع ٢٣ الذي أسماه الناس بقطاع عريان السيد خلف، بينما أسموا قطاع ٣٢ بقطاع كريم العراقي، وثمة قطاعات سميت شعبياً بأسماء الفنانين مثل قطاع صباح الخياط، بل أن هناك أيضاً ساحة سميت بساحة صباح الخياط.. وكذلك قطاع الفنان حاتم العراقي وعلي العيساوي وباسم العلي وحسين البصري، وعلي سرحان، وضياء الدين، وجمعة العربي، وحسن بريسم، وعبادي العماري، والفنان سلمان المنكوب، وحسين سعيده، والفنان يونس العبودي، وفرج وهاب، والفنان كاظم الشامي - شقيق وليد الشامي، وكاظم شنينه، وناظم البصري، والفنان عودة فاضل والفنان صلاح البحر والفنان ضياء حسين، وغيرهم من نجوم الفن والكرة انذاك.

أما قطاع ٤٣ الذي كنا نسكنه أنا وعائلتي مذ عام ١٩٦٤، حتى يومنا هذا.. حيث لم تزل تسكن بيتنا الأول، شقيقتي الحاجة أم جواد وعائلتها ، وشقيقي ( أبو سيف) يسكن بيتنا الثاني، والبيتان مازالا في قطاع ٤٣ .. وللحق، فإني تنقلت بين اماكن مختلفة في بغداد، وعمان وامريكا، ولم أتذوق عسل المحبة، ودفء وداد الأخوة،وطعم الصداقة الحقيقية، مثلما تذوقتها وارتويت بها في هذا القطاع العزيز.. فقد كان المكان الأحب الى روحي، والعشق الذي حفر في قلبي نهراً من الشوق والحنين والسكينة، وظل يفيض بالحنان دون أن يجف أو يزول حتى هذه اللحظة، وسيبقى  عطر تلك الأيام يرافقني أينما أحل وأقيم، ويظل حنينه يذبحني مهما طال العمر.. وللتذكير فإن قطاع ٤٣ لم يكن قطاعاً فقط لساكنيه، إنما كان ملتقى لكل الاحبة والاصدقاء والزملاء الذين يقدمون اليه والينا من مختلف قطاعات المدينة، لا سيما الشعراء والفنانون واللاعبون وغيرهم.. حتى أن الكثير من الناس كانوا يظنون مثلاً ان كريم العراقي يسكن قطاع ٤٣ لكثرة ما كان يتواجد فيه، وكذلك الفنان الجميل سعد عبد الحسين، وصديقنا الفنان عبد فلك والشاعر الراحل رحيم المالكي، والشاعر حمزة الحلفي والشاعر الراحل محمد الغريب، والشاعر طالب الدراجي، والشاعر ماجد عودة، والشاعر كريم دخيل ، والشاعر سمير صبيح , والشاعر جبار الفرطوسي ، والشاعر كاظم عبد علي، والشاعر جبار فرحان ، والشاعر غني محسن، والشاعر الراحل عادل محسن، والشاعر جواد الحمراني، والشاعر عباس عبد الحسن، والشاعر جليل صبيح، والشاعر جبار محيبس والشعار باقر العلاق و طالب السوداني وجبار صدام، والفنان قاسم ماجد، والشاعر والفنان رحيم العراقي، وغيرهم من الأصدقاء الذين كانوا يزوروننا في قطاعنا دائماً.. 

أما سكنة قطاع ٤٣ بالذات فقد ولد وسكن وعاش فيه عدد غير قليل من النجوم، ومن مختلف المواهب والإبداعات، حيث يأتي في مقدمتهم بلاتيني العراق، ونجم القوة الجوية، ولاعب المنتخب الدولي ناطق هاشم.. الذي كان صديق شقيقيّ كاظم وقاسم، مثلما كان صديقي أيضاً.. كما ضم قطاعنا لاعب نادي الأمانة كريم صدام، والفنان المرهف فيصل حمادي، كما ان الفنان رضا الخياط قد سكن مع عائلته في قطاع ٤٣ قبل أن ينتقل الى الكرخ. ضم قطاعنا أيضاً لاعب نادي العمال ومن ثم الصناعة جبار عبد النبي، وشقيقه لاعب الطلبة الهداف فاضل عبد النبي، الذي غادر العراق، وأقام في المهجر منذ سنوات، واللاعبين غالب جاسم عودة وبحر وخليل وغيرهم من النجوم.. لكن الآن دعوني أحدثكم عن القصة التي دفعتني الى كتابة هذا المقال واختيار هذا العنوان وليس غيره..

في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولأسباب أمنية مستعجلة، حزمت حقيبتي لمغادرة العراق بطريقة شرعية ورسمية لكنها في الحقيقة - أخت الهروب - وقد ساعدني في هذه العملية الفنان الكبير كاظم الساهر، حيث سأحكي عن هذه القضية في مقال خاص مستقبلاً ..

المهم، كنت قبل سفري بساعات في سيارة ركاب كبيرة ، وقد كان أمامي شابان لم يتجاوزا العشرين من العمر، كانا يتحدثان بصوت مسموع تقريباً- وهما لايعلمان بوجودي في المقعد الذي يلي مقعديهما.. فقال الأول .. حضر نفسك راح نوصل؟

فاجابه صاحبه قائلاً:

لا يابه بعد .. وينك أوين !

فقال له الاول: هاي شبيك هذا قطاع ٤٣ واحنه راح ننزل بالقطاع الوراه!

فقال له صاحبه: عمي هذا مو قطاع ٤٣ ..

فقال له الأول: وروح أمي هذا قطاع ٤٣ چا قابل ما اعرفه مثلك.. قطاع ناطق هاشم وفالح حسون !!

 حين سمعت اسمي يتلوه هذا الشاب، ويجعل القطاع مناصفة بين اسمي واسم اللاعب الكبير ناطق هاشم، شعرت بزهو وفخر كبيرين لم أشعر بمثلهما من قبل، لكني شعرت في نفس الوقت بحزن عميق، وأسى موجع، وكأني أهرب من  مسؤوليتي الشرفية والأخلاقية، بل وشعرت أيضاً بأني أخون هذا القطاع وهؤلاء الناس الذين اخبرني وجعلوا اسمي مساوياً لنجم كبير مثل ناطق هاشم .. لكن المشكلة التي لا حل لها.. أن الكاسيت الذي قرأت فيه قصيدتي التي فيها كلام يمس شخص ( الرئيس) ، في جامع الزهراء يوم مولد الإمام الحسين قد أرسل الى سبعاوي ابراهيم الحسن مدير الأمن العامة بكتاب رسمي، وسيتقرر مصيري خلال يوم او يومين لامحال، والقضية قضية وقت ليس إلا.. فلا خيار لدي غير الهرب، وبسرعة! 

لذلك غادرت ولم أخبر أحداً سوى والدي رحمه الله، وزوجتي، وأحد اشقائي لا غير.. 

وهكذا مضيت الى عمان ولم أعد الى العراق، إلا وقد وجدت أمامي نبأ وفاة بلاتيني العراق، نعم، لقد رحل ناطق هاشم .. صديقي العزيز، وشريك اسمي في قطاع ٤٣، لكن ( البگه براس الباقين) من مبدعي هذا القطاع وقطاعات المدينة الأخرى .



 

علق هنا