بغداد- العراق اليوم: فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة
قبل أيام، سألني رفيق شيوعي وهو صديق عزيز أيضاً، عن السبب الذي يدعوني لكتابة مقالات افتتاحية عن (شيوعيين) بسطاء، بعضهم لم يكن قد استوفى واستكمل (مقومات الشيوعية)..؟ بينما (أتجاهل) الكتابة عن الشيوعيين الحقيقيين الذين انتموا للحزب، وناضلوا في صفوفه، وقدموا الكثير من التضحيات، لاسيما الشهداء منهم.. وقد أوضح صديقي رأيه قائلاً: أنا فقط أريد أن لا تتعب نفسك وتشغلها في الكتابة عن أشخاص كانوا يقفون على رصيف الأحداث وليس في صميمها، وأن اغلبهم كان يتصرف خارج جادة الحزب وسياقاته التنفيذية المعروفة ! فضحكت وقلت لصديقي: أعتقد أن في تعبير (على رصيف الأحداث، وخارج جادة الحزب) مبالغة، بل وفيه (رنة) تشبه رنة الاستكانات الفارغة! ثم علقت بقولي ممازحاً: أما موضوع (تجاهلي) الكتابة عن الشيوعيين الحقيقيين فهذه تهمة (عليها طلابة) ! لكنّ صديقي قاطعني وهو يقول: لا لا، أنا لا أقصد بك أو بهم سوءاً، لكني فقط أردت القول إن الذين تتناولهم في مقالاتك الافتتاحية، أشخاص (هامشيون) ليس لهم دور واضح في صنع الأحداث، ولا يملكون تجارب مهمة تصلح للاقتداء، كما أنهم لا يشكلون رقماً بارزاً في مجتمعنا الشيوعي، فلماذا تنشغل بهم، بينما أمامك المئات من المناضلين الحقيقيين الذين يستحقون الكتابة عنهم، وعن تجاربهم النضالية المفيدة؟ وهنا توقفت عن ممازحة صديقي، بعد أن وجدت أنه جاد فعلاً في كلامه، بل ومتحمس لملاحظته التي يعتقد جداً بصوابها، حتى وجدت أن تعليقاتي الفكهة قد تفسد الحوار، وقد يعتقد معها أني عاجز عن توضيح فكرتي، وتبيان السبب الذي يدفعني للكتابة عن هؤلاء الشيوعيين الطيبين جداً ، والباذلين المضحين جداً، والذين يصفهم رفيقي وصديقي بالواقفين على ( رصيف الأحداث، وخارج جادة الحزب )! فقلت له: أظنك ياصديقي تعرف اكثر من غيرك، أني أمضيت أكثر من نصف قرن من حياتي أكتب عن الشيوعيين (الحقيقيين)، من الشهداء والمعتقلين، والمناضلين، ولم تتوقف كتاباتي على نوع أدبي أو غنائي أو صحفي من الاستذكار، والتغني بأمجاد الرفاق المناضلين، فأنا وليس غروراً من أكثر الشعراء الذين كتبوا عن شهداء الحزب، ويكفي أني كتبت 60 أغنية للحزب الشيوعي العراقي، وقد كان أكثر من نصفها عن الشهداء، كما يشرفني أني كتبت اول (البوم غنائي) عن شهداء الحزب الشيوعي العراقي، سجله فنان الشعب فؤاد سالم بصوته، وفي عهد صدام حسين ونظامه الفاشي، وقد ضم ( الألبوم ) عشر أغنيات عن فهد وسلام عادل وجمال الحيدري وعايدة ياسين ومحمد الخضري، وحسن السريع (وأبو گاطع) وغيرهم.. وكتبت كذلك اوبريتات معروفة مثل اوبريت ( انت باچر وانت امس) الحان الفنان الراحل طارق الشبلي، كما كتبت قصائد، ومقالات وافتتاحيات، وتحقيقات صحفية تستذكر شهداء الحزب الشيوعي العراقي ومناضليه الأبطال.. حتى أن قصيدتي في الكتاب الشعري ( قصايد للوطن والناس ) الذي أصدره الحزب الشيوعي العراقي العام 1974، بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيسه والذي ضم قصائد لـ 33 شاعراً شيوعياً ويسارياً بارزاً، كانت بعنوان ( رسالة للرفيق الخالد فهد )!
إن كل هذا يؤكد على أني لم أتغاض قط عن ذكر الشهداء، أو المناضلين الشيوعيين، ولا أدعي ذلك وحدي، إنما شاركني في هذا الشرف العظيم عشرات الشعراء والكتاب التقدميين، الذين كتبوا عن الشهداء والمناضلين، وتغنوا مثلي بامجادهم، وبطولاتهم العظيمة.. قاطعني صديقي مرة اخرى قائلاً: عفوك صديقي، أنا لم انكر عليك، أو على غيرك من الشعراء والكتاب الوطنيين جهودكم في هذا المجال، وهو امر يعرفه عنكم الصغير والكبير، حتى صرنا ننتظر نهاية شهر آذار من كل عام حيث ميلاد الحزب الشيوعي، لنرى ماذا سيقدم ( أبو حسون) من أغنية جديدة هدية للميلاد الميمون، نعم اقول ذلك بملء فهمي، لكني عرضت هذا المقترح لأوفر عليك الجهد والوقت، كي لا يضيعا في مكان قد لا يثمر ! قلت لصديقي: وأنا أود أن أصحح لك أيضاً، بأن هؤلاء الذين أكتب عنهم مقالاتي لم يكونوا يوماً (خارج جادة الحزب) كما تقول، إنما هم شيوعيون متميزون وفوق العادة، وفي وسط الجادة وصميمها، وقد يكونون خارج الجادة (شكلاً)، لكنهم (ضمناً) في قلب جادة الحزب، ودريئته الامامية ! وإذا أردت الحق والعدل والإنصاف، فهم ربما أحق بالكتابة مني ومنك، ومن المنتمين أنفسهم! قال مستغرباً: كيف؟ قلت: أنت تعلم أن النضال والتضحية من أجل الوطن والشعب، هما أول حروف الشرف في أبجدية الحزب الشيوعي التي يعرفها ويحفظها المنتمي، والتضحية خيار المنتمي الذي مضى اليه بقدميه، وقراره الذي اتخذه قبل أن يتقدم للانتماء، اما هؤلاء الناس الذين تصفهم بالواقفين (خارج جادة الحزب)، فهم جنود مجهولون، قد لايعرفهم الحزب حتى، أو ربما يعرف قليلهم، لكنهم وقفوا ببسالة، وضحوا بارواحهم ومستقبلهم حباً بالحزب، وبوطنيته ونزاهته ومبادئه الشريفة، إنهم مختلفون ربما، لكنهم أيضاً كانوا مستعدين للموت الف مرة من أجل عيون حزب فهد وسلام عادل.. ولا اعتقد أن في أي حزب - غير الحزب الشيوعي - أشخاصاً غير منتمين له، يضحون بحياتهم لأجله ! ثم أكملت حديثي قائلاً: إن الجميع يكتب عن شهداء الحزب الشيوعي الأبرار، وعن مناضليه وابطاله، وهو واجب وحق وشرف، لكن في المقابل كم واحداً منا يكتب عن هؤلاء الجنود المجهولين؟، فمثلاً من منا كتب عن الكادح المتيم بالحزب هاشم عوكي، ومن كتب عن الشاعر المجنون بحب الحزب، منعم الربيعي، وعن العامل عبد الحسين حافظ، واللاعب الجسور حسن حريب، والملاكم سعدون مطشر، والعامل سيد جبار، وحسن بنيان بطل (واقعة السوق العربي) الشهيرة، يوم قام بعمل جريء يعد خارج المنطق والمعقول آنذاك، وقد أثلج به صدور الناس، ورفع معنوياتهم ! ورغم أن هناك أكثر من زميل كتب عن تلك الواقعة وبطلها (أبو حامد) لكني سأكتب عنها أيضاً في المستقبل ..! إن هؤلاء (الشيوعيين ) البواسل من امثال حسن حريب وعبد الحسين حافظ وغيرهم لم ينالوا الاهتمام الإعلامي الذي يستحقونه، رغم أن أغلبهم تعرض للسجون والنفي والمعتقلات - فمثلاً نال سعدون مطشر حكماً بالاعدام، ثم خفّض الى السجن المؤبد- ونال حسن حريب ما نال من مر الاعتقال والتعذيب المتكرر، أما عبد الحسين حافظ، فقد كان (معميلاً) لزبانية الامن العامة، وآثار سياطهم على ظهره لم تمحها السنين أبداً ! لذا أقول: أليس لهؤلاء الحق في أن نستذكرهم ولو لمرة واحدة، فلماذا نستكثر عليهم كلمة حق نقولها عنهم، ثم أليس لأبنائهم واحفادهم الحق في أن يعرفوا شيئاً عن بطولات آبائهم الفذة، وأن يفخروا بها أمام التاريخ؟ ولكن كيف سيعرف هؤلاء الأبناء مواقف آبائهم وقصصهم الشجاعة، إن لم نسلط الأضواء على نضالاتهم ومآثرهم البطولية، واحداً واحداً، ونستعرض بالتقدير أسماء، ومواقف هؤلاء العاشقين المتيمين بهذا الحزب الوطني المكافح ؟ إن الكتابة عن هؤلاء الناس الرائعين - وكلهم أصدقائي - واجب اخلاقي وعقائدي ووطني أيضاً .. وقبل أن اودع صديقي، غمزته بخبث قائلاً: أدعوك رفيقي وصديقي لقراءة افتتاحيتي في الاسبوع القادم، والتي ستكون بعنوان: ( حسن حريب .. شيوعي على طريقته الخاصة ).. مع تحياتي القلبية، وتحيات رفاقك وأخوانك في (رصيف الأحداث وجادة الحزب )!
*
اضافة التعليق