القدّيس نيلسون مانديلا.. وانتخابات العراق !

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

يقول " نيلسون مانديلا " : " الفسادُ ليس مجردَ سرقةٍ للمالِ العام، إنما هو سرقةٌ لأحلامِ الناسِ ومستقبلِهم.”

يا الهي ما أحلى هذا الكلام، وما أروع هاتين الجملتين.. وأيّ اختصار فذّ اختصر مانديلا بهذه الكلمات القليلة ما تعجز عن قوله واختصاره كل المحاكم، وهيئات مكافحة الفساد، ودور العدالة و القضاء، وحقوق الإنسان، وأرقى القوانين، والدساتير، وكتب القيم والمعرفة، بل وحتى الفلاسفة الأخلاقيين، بدءاً من ( بوذا )، مروراً بالمعلم ( سقراط) وليس انتهاءً بأفلاطون وأرسطو، وبقية فلاسفة التفكير الأخلاقي ..

نعم، فقد أطلق (السياسي) مانديلا هذه ( الصورة ) الشعرية وهي عندي أعذب وأجمل وأبلغ من قصائدنا وأغنياتنا ونصوصنا إذا ما فكرنا يوماً بإيصال هذه الحكمة عبر منتجنا الفني والشعري. 

هل بالغتُ بالوصف؟

ربما اكون قد بالغت قليلاً، لكني صدقاً وجدت أن ما قاله مانديلا هو أقرب إلى قلبي من أي كلام غيره.. ربما لأن كلامه ينتمي إلى عائلة ( السهل الممتنع ) التي أنتمي لها شعرياً ونثرياً أو لأن مصيبتنا بسبب الفساد جعلتني أتعاطف مع أي كلام مؤثر يصب في هذا السياق، فما بالك في كلام مؤثر يصدر من ( قديس) مثل مانديلا؟

وليس سراً أكشفه حين أقول إن ما نعانيه في العراق بسبب الفساد، جعلنا عاطفيين جداً، ومتعاطفين جداً مع الذين ابتُلوا بالفساد في العالم - وطبعاً فإن جنوب أفريقياً هو  أحد البلدان التي ابتليت بالفساد مثلنا - رغم أني أعلم تماماً أن لا أحد مثلنا في العالم اكتوى بنار الفساد، ولا بلد في الكوكب احترق بناره مثل العراق  .. لذلك تجد المصاب بمرض السرطان متعاطفاً مع جميع ضحايا هذا المرض في العالم.. 

وللحق، فأن عيب الفساد لا يكمن فقط في المسؤول العراقي الفاسد، ولا في البرلماني المرتشي فحسب

، إنما يكمن فينا نحن ايضاً.. إذ كيف يصل النائب إلى البرلمان إن لم نعطه أصواتنا، ونمنحه بانفسنا مفتاح الخزنة العراقية النفيسة، وكأننا نقول له : خذ ياسيدي ما تشاء .. وانهب أموالنا بما تريد !! 

ثم نخرج بعد فترة قصيرة لنتظاهر ضده في ساحة التحرير، هاتفين بأعلى أصواتنا: كلا كلا للفاسد.. كلا كلا للحرامي !!

وتتكرر العملية ذاتها في كل انتخابات نيابية.. نعطيهم طوعاً أصواتنا، وندخلهم برلماننا بمحض ارادتنا، ثم نخرج عليهم مرة ثانية وثالثة بنفس الهتاف ونفس الشتائم وذات التسقيط !! أقول هذا الكلام مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية،وقبل أن نرى خيبة أملنا تتكرر مرة خامسة وسادسة وسابعة في أداء النخبة السياسي، والنيابي، وفي حجم الفساد والرشوة  والكوارث المالية الهائلة.. وقبل أن ( نتقشمر ) مرة أخرى، ونصدق شعارات الإصلاح و"خدمة المواطن" كما ( تقشمرنا ) بها لأكثر من عشرين عاماً وبنجاح ساحق، دون ان تتحقق كلمة واحدة من كلمات هذا الشعار الحلو والبراق جداً.. وقبل أن تقع الفأس في الرأس، اسمحوا لي أن أحذر وأقول لكل الناخبين العراقيين: ( هاي المرة ماكو عذر) !!

لذا عليكم أن تدققوا جيداً بالصور والأسماء والتاريخ، ( وتغربلوهم تغربل) ..

وكي أكون دقيقاً وواضحاً، أقول إن هناك نواباً ووزراء شرفاء، وسياسيين نزهاء تعرفونهم جيداً، يستحقون أصواتكم دون شك، وإن ثمة لصوصاً وفاسدين و (بعثيين) وطائفيين وقتلة وعملاء من كل الطوائف، تعرفونهم جيداً أيضاً، ولكم معهم تجارب مريرة دام بعضها أكثر من عشرين عاماً، فمثل هؤلاء لا يستحقون أظفراً من أظافركم وليس أصواتكم الشريفة ، الحرة.. فلا تعطوهم أصواتكم، كي لا تضطرّوا مرة أخرى للعودة إلى ساحة التحرير، والى ترديد ذات الهتاف المتكرر : كلا كلا للفاسد .. 

كلا كلا للحرامي ..!

ختاماً أكرر رجائي وأقول :

أرجوكم .. أرجوكم لا تعطوا أصواتكم لمن يسرقكم، و ( يسرق أحلامكم و مستقبلكم ) كما قالها يوماً العظيم نيلسون مانديلا ..

الثائران نيلسون وكاسترو