كم (ساركوزي) في الأمة العربية .. وكم (فرنسا) في الوطن العربي؟!

بغداد- العراق اليوم:

افتتاحية جريدة الحقيقة

فالح حسون الدراجي

لم يكن يوم أمس الأول يوماً عادياً في حياة الأمة الفرنسية.. بعد وصول الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي إلى زنزانته في سجن " لا سانتي " في باريس بتهمة التآمر لجمع أموال من ليبيا لتمويل حملته الانتخابية، ليصبح بذلك أول زعيم فرنسي يدخل السجن منذ الحرب العالمية الثانية.

نعم، لقد بدأ فعلاً الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي يوم الثلاثاء، قضاء عقوبة السجن 5 سنوات في الزنزانة المخصصة له في سجن لاسانتي بباريس ..

وهي سابقة لم تحدث في قصر الاليزيه منذ أن حكم على الرئيس (المارشال) فيليب بيتان بالسجن المؤبد، لتعاونه مع النازية بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك فإن دخول الرئيس ساركوزي السجن قبل يومين يعد امراً صادماً  لمشاعر الشعب الفرنسي، لا سيما وأن الفرنسيين لم يعتادوا على هكذا تجارب ، بل ولم يحدث أمامهم من قبل منذ ثمانين عاماً، ولكن هذا الشعب تقبل الحكم برحابة صدر، ولم يعترض أنصار ساركوزي، او يتظاهر أعضاء حزبه ضد القرار، إنما وقفوا بانتظار زعيمهم (المحكوم) عند أبواب السجن، وهم يلوحون له بمناديلهم ويصفقون ويهتفون له، لا سيما وهم يرون أن الرئيس ساركوزي لم يكن مذنباً، وأن براءته ستظهر بعد دراسة الاستئناف الذي قدمه محاميه ..

إن الفضل والفخر لا يعودان برأيي لأنصار ومؤيدي ساركوزي المنضبطين فقط، إنما لعموم الشعب الفرنسي المتحضر، ولكل الشعوب الديمقراطية في العالم، التي قرأت ودرست وفهمت جوهر ومعنى الديمقراطية، وأخذت بحقيقتها وليس بظواهرها، فتناولت لب الديمقراطية المفيد، ورمت قشرها البائس، عكس شعوبنا العربية والشرقية التي أقبلت للأسف على القشور بنهمٍ كبير، واهملت اللب !..

 إن للدساتير والقوانين والأنظمة في البلدان الديمقراطية قوة تفوق قوة الرؤساء والزعماء والقادة والجيوش وجميع الأسلحة والمال، لذلك ترى القوانين فوق كل السلطات، فتطبق على الجميع تطبيقاً عادلاً، وملزماً، وصارماً، دون النظر إلى منصب وسلطة المتهم، فيتساوى عند باب عدالتها الأمير والغفير، ويدخلان السجن معاً حين يدانان، ويصدر بحقهما الحكم، كما لا ينظر إلى وجود سابقة في تنفيذ الحكم او لا توجد .. لذلك ضرب القضاء الفرنسي جميع الاعتبارات، والاستثناءات، والمبررات والمسموحات والممنوعات، وأصدر الحكم بحق رئيس فرنسا الأسبق، بل وأمر بتنفيذ الحكم حالاً، دون ان ينتظر نتيجة الاستئناف ..!

والشيء نفسه فعلته الحكومة الفرنسية، فهي الأخرى لم تتأخر لحظة بتنفيذ قرار حكم القضاء، لتدخل ساركوزي الذي كان يوماً رئيساً للجمهورية، وقبلها وزيراً للداخلية إلى زنزانة السجن عينك عينك ! رغم ان الرئيس الحالي ماكرون قد استضاف ساركوزي في قصر الاليزيه قبل أسبوع واحد وتناولا العشاء والنبيذ معاً، ورغم أن الرئيسين صديقان جداً، لكن القوانين والعدالة شيء، والصداقة والنبيذ شيء آخر، فلا ماكرون تدخل في قرار الحكم ولا حاول تعطيل تنفيذه، ومثله فعل ساركوزي، الذي نفذ الحكم طائعاً رغم عدم اقتناعه به، فمشى بقدميه الى زنزانته بكل هدوء واتزان واحترام.. 

أقول هذا الكلام مؤيداً، وأنا الذي كنت - بحكم انتمائي الطبقي وعقيدتي الفكرية - من أشد المعارضين  لطبيعة الأنظمة الغربية الرأسمالية، ورغم أن الرئيس ساركوزي لم يسرق أموال النفط مثل زعمائنا، ولم ينهب ( مليارين وخمسمائة ألف دولار)، من الأمانات الضريبية، ولم يبنِ من ميزانية الدولة قصراً فخماً لزوجته على ذراع النهر.. إنما قبل عرضاً من الرئيس الليبي معمر القذافي لدعم حملته الانتخابية مالياً.. ويبدو أن ساركوزي قبل العرض رغم نفيه هذه التهمة.. علماً أن فرنسا بزعامة ساركوزي دعمت الانتفاضة الشعبية الليبية ضد معمر القذافي، و أسقطت حكمه، بعد ان وجّهت له بطائراتها ضربات جوية وصاروخية عنيفة.. وهذا ما يجعل نفي ساركوزي لاتهامات المحكمة معقولاً ومقبولا !  

ثمة نقطة ضرورية يجب عرضها في هذا المقال مفادها أن قرار الإدانة الذي صدر بحق ساركوزي جاء بعد معارك قانونية دامت سنوات طويلة، وتحديداً منذ انتهاء حملته الانتخابية في 2007 ، واتهامه بتلقي ملايين اليوروات نقداً من الرئيس القذافي الذي أطيح به لاحقا وقتل خلال انتفاضات الربيع العربي.

ورغم أن ساركوزي أدين بهذه التهمة مع مساعدين مقربين منه، إلا أن القضاء برّأه من تلقي الأموال شخصيا أو استخدامها لأغراض خاصة.

لقد أردت القول إن لدى ساركوزي مساحة زمنية واسعة منذ ظهور مزاعم الاتهامات العام 2007 حتى دخوله السجن قبل يومين، وكان بامكانه التحرك على اصدقائه رؤساء وزعماء امريكا واوربا ومحاولة التوسط لديهم، أو حتى الهروب بطائرته، واللجوء إلى أي بلد، او الإختباء في ( حفرة) مثل بعض ( الرؤساء) ، لكنه لم يفعل ذلك قط.. بل قبل بتنفيذ الحكم حتى وهو لم يقبل بقرار الحكم.

والسؤال الذي اعتبره زبدة المقال: هل سنجد يوماً في أمتنا العربية رئيساً مثل ساركوزي يمشي إلى زنزانته بقدميه وليس ( بالقنادر ) أو بالسحل - حشاكم - ، وهل سنجد في وطننا العربي بلداً مثل فرنسا، يسجن فيه الرئيس أو صديق الرئيس ؟

ختاماً.. أقسم لكم بكل المقدسات ترى آني عراقي مو فرنسي اولاً، وثانياً الأخ ساركوزي مو  دراجي، ولا من جماعتي، ولا عندي علاقة بيه، فلا هو من مدينة الثورة / قطاع 43 ولا أخوه مفتح بسطية بسوگ العورة ..إنما عجبني الموقف وحبيت أعممه عسى أن نتعلم منهم ..!

ساركوزي في مدخل السجن