بغداد- العراق اليوم:
جاسم الحلفي
فرضت الأولغارشية هيمنتها على القرار السياسي بعد ان اكملت بناء طبقتها الاجتماعية المترفة، حيث سجلت ثرواتها أرقاما فلكية بفضل اعتمادها على اقتصاد الفساد واشاعته في المجتمع، وإعاقتها تبعا لذلك أية خطوة نحو تنفيذ أي توجه اقتصادي تنموي مستدام، مهما كان محدودا، وإغلاقها الطريق امام استنهاض البلد وإرساء استقراره. كذلك احكمت الأقلية المستبدة سيطرتها على السوق النقدية بشكل كامل، وإقامت بنية تحتية احتكارية للمصارف الاهلية التي يملك حصصها الأكبر شخصيات تحوم حولها شبهات فساد. كما انها نظمت علاقات تخادم مع طغمة الحكم، التي لم تتوانَ - مستغلة نفوذها بالسلطة - في دعمها وتأمين الحماية لها وانقاذ من يقع منها بيد العدالة، فتسهم في إطلاق سراحه وتخفف الاحكام التي يصدرها القضاء عليه.
ولم تقف طغمة الحكم مكتوفة الايدي عند القاء القبض على كبار حيتان الفساد، مهما كان هول جرائمهم وبشاعتها، ومهما بلغ حجم المال العام الذي سطوا عليه ونهبوه، مثلما حدث أخيرا في سرقة القرن دون خجل ولا وخز ضمير، التي تحول اسمها الى صفقة القرن.
لقد طغت الاحتكارات النقدية ولم يقف استهتارها وهي تتحكم بمزاد العملة عند حد، حيث فرضت وجهتها التدميرية على الاقتصاد العراقي، وأبقت عليه اقتصادا احاديا لا يصنع ولا يزرع وانما يقوم على الاستيراد المجرد، بل ولم تسمح حتى بالإجراءات الترقيعية التي تحاول تزيين وجهة السلطة السياسية.
وتعاظم دور هذه الأقلية التي استبدت بالقرار الاقتصادي وتمكنت من القرار السياسي، واستطاعت احباط الادعاء الشعبوي الذي طالما ردده تحالف الإطار تنابزا مع خصومه، بإرجاع قيمة الدينار امام الدولار.
واوغلت الاولغارشية في استهتارها حتى اثبتت انها وحدها المتحكم بالقرار السياسي، بعد ان احتكرت القرار الاقتصادي، وجرّت قيمة الدينار نحو التدهور حتى بلغت 1520دنانير مقابل الدولار الواحد، بفرق كبير عن قيمته التي حددها البنك المركزي العراقي رسمياً في 19 كانون الأول 2020، وهي 1450 دينارا امام الدولار وفقاً لقانون الموازنة لعام 2021 التي أقرها مجلس النواب.
وعند التدقيق السريع في مبيعات الدولار في مزاد العملة للأسابيع الثلاثة الفائتة، وبحساب الفرق بين السعر الرسمي للدينار وما وصل اليه فعلا في الأسواق، يتضح ان المبالغ التي حصلت عليها الاولغارشية تجاوزت في قيمتها ضعف مبالغ سرقة القرن.
وهكذا أصبح مزاد بيع العملة منفذا لا لبيع وشراء الدولار، وانما لنهب الاموال العامة بصورة او بأخرى، ولرفع معدلات ربحية الاولغارشية وطغمة الحكم، وجعل ارقام ارصدتهم المالية فلكية يستحيل حصرها.
يتضح جليا ان الأقلية الأولغاشية لا تحترم حتى القوانين التي تشرع لمصلحتها، ولا تهاب سلطة هي المتنفذة فيها، ولا يردعها الغضب الكامن في افئدة الشعب، واتساع نسبة الفقر، وارتفاع اعداد الفئات الهامشية.
وليس هناك ما هو ابلغ مما قاله المفكر الشيوعي كارل ماركس في هذا الشأن: "ان تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع، هو في نفس الوقت تراكم للفقر والبؤس في القطب الآخر". وبذلك تتسع الفجوة الطبقية في المجتمع، وتغيب العدالة الاجتماعية التي كانت وستكون أحد اهم القيم التي يسعى كادحو شعبنا وقوى اليسار الاجتماعي لتحقيقها. العدالة الاجتماعية التي هي ملهم الكفاح للخلاص من الاضطهاد والاستغلال، والتحرر من نير المستبدين، والتمتع بالحق في الحرية والمساواة والعيش الكريم.
*
اضافة التعليق