بغداد- العراق اليوم: هذه الصورة لعراقي مسكين ساقته الظروف ويد القدر ان يولد في حقبة ما، وان يكبر ويعيش أوج شبابه في مرحلة العبث الصدامي، عبث الحروب، والموت، ونزق الشعارات الفارغة، عبث الطغيان، واستهتار العشيرة الحاكمة الفاسدة، وذلك القاتل الذي استأجره أحد قيادي حزب البعث ليقوم بتغطية انسحاب المسلحين الذين سينفذون مخاولة لاغتيال الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد.. المنفذين الذي قفز على والذي سيقفز الى سدة حكم بلاد عريقة كالعراق، بلاد انتهى بها الى تكون للأسف موئلاً للحروب والدمار، فحرب تلد الأخرى، وكراديس من الموت تترى، وكل هذا لأن الديكتاتور يريد ان يشبع نهمه للدماء المتعطشة. نعم، فهذا الجندي المسكين، من مواليد الخميسنات حتماً، اولئك الذي اكلت الحروب سني حياتهم، واخترقت خناجر الموت خواصرهم، وبقيت جثثهم في نهر جاسم تارةً، او على جبال كردستان، وما بينهما خط الموت المتصل اكثر من 1000 كليو متر شرقاً. أنه الجيل الذي لم يرَ الحياة الا من فوهة الكلاشنكوف الروسية، ولم يسمع انباء الحياة، الا عبر تلك الرسائل الحزينة والمنكسرة لأسرى في ريعان شبابهم، وهم يرسلون أهاتهم مصحوبةً بشجن طويل، وخوف قاتل من مصير مجهول. أنه جيل الحروب الطويلة التي لم تنتهِ، الاْ وهم على قارعة الحياة، بلا مستقبل، ولا ماضٍ، ولا ذكريات سوى صور حزينة، وهو في جبهات مشتعلة، مدججين بالقنابل، ومحاطين بالقنابر، يرتدون الكاكي، ويدخنون حزنهم، وألمهم وشوقهم لحبيبات أعتدن النواح، واللطم على الأخوة والأعمام والأباء، أو ذلك البكاء الصامت على حبيبِ مر ذات مرةً على درب اليمرون، الاٌ أن جلاوزة البعث المجرمين لم يسمحوا له أن يجلس قليلاً، وينادي عسى أن تسمع الحبيبة، ذلك النداء الذاوي!! ياله من زمن جميل حقاً، رسمه الجلاوزة، والاقزام، والمذلون المهانون، وهم يخدعون هذه الأجيال الصغيرة بزمن ذهبي ! كانت الدماء علامته، وكان الخوف سمته، وكانت المقاصل متعته المتاحة! أي زمن هذا، وكراجات النهضة والعلاوي كانت محطات الوداع الأخيرة، فكم أنتهت من هذه الكراجات حيوات وحيوات، ذهبوا يمشون على اقدامهم المثقلة، وعادوا جثامين محنطة على "سلال" الكراون، متوجهين الى مقبرة وادي السلام، حيث سيستبدلهم الطاغوت ببضعة آلاف من الدنانير، وقطعة أرض او لربما سيارة "برازيلي" أو حتى " كرونا"، تعويضاً لأهاليهم المفجوعين. أي ذكرى تلك حركتها هذه الصورة، وهذا الجندي المسكين المساق نحو حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، وأي مشاعر من الشجن واللوعة والأسى التي نحملها على اكثر من مليون شاب عراقي احرقتهم رغبات صدام المريضة في مجرزة ستظل عاراً يلاحق كل من ساندها الى أبد الآبدين.
*
اضافة التعليق