بغداد- العراق اليوم: كتب المحرر السياسي في (العراق اليوم):
لسنا في وارد الحديث الطائفي، ولسنا من هواة التفرقة بين أبناء البلد الواحد، ولا نحب ان نخوض في نقاشات مناطقية مؤذية بعد تجربة مريرة، ليست كما يصورها الخبثاء والمنحازون والطائفيون بأنها بدأت بعد 2003، بل هي للأسف ظاهرة متأصلة في المشهد العراقي منذ تأسيس الدولة في عام 1920 والى يومنا هذا للأسف، اذ ان الدولة " تطيفت" ومورس إقصاء متعمد على مكون أساسي من مكونات الشعب، واقصيت جغرافياً، لصالح تسيد اخرى، ولمن اراد الاستزادة من هذا الموضوع، فما عليه سوى الرجوع الى كتاب الصحافي حسن العلوي، ( العراق والدولة القومية) وسيقرأ العجب العجاب من اعراف الطائفية، وسيجد جهداً توثيقياً هائلاً مارسه العلوي لاجل تثبيت حالة الفصل المذهبي التي مورست بحق شيعة العراق على وجه التحديد، وكيف ان الظاهرة الطائفية هي التي كانت تحكم وان تجلببت بجلباب القومية تارة، وبلبوس الوطنية تارةّ اخرى، لكنها الطائفية بعينها، فالشيعي مقاد، والاخر قائد. ويشخص العلوي بحذق اخطر انواع الممارسة الطائفية في الجيش، كونه التمظهر الاجلى لنزوع الدولة الطائفي، وتمذهبها الإقصائي.
طبعاً يستثني العلوي من كل تاريخ العراق، سنوات حكم الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم رحمه الله، اذ يقول ان الطائفية دخلت مرحلة التجميد. لكنها عادت بقسوة فيما بعد. واذا تجاوزنا التفاصيل، فأننا ازاء تجربة يفترض انها مختلفة بعد 2003, اذ يدعي الإعلام العربي والعالمي ان تغييراً عميقاً شهده العراق، تم فيه ايقاف المعادلة الطائفية التي كانت سائدة، لكننا اليوم ازاء صورة مؤلمة من صور التلاعب الطائفي، التي ان صحت فأنها تؤكد حقيقة نظرية العلوي، بأن الطائفية هي الأقوى في حكم العراق، اذ اشارت صفحات وبيجات اعلامية، وحتى نواب، الى ان ثمة تلاعباً واضحاً حصل ويحصل في قبولات الكلية العسكرية، واعتماداً واضحاً لمعايير طائفية وعشائرية وقرابية في القبولات، حد قبول 81 طالباً من مكون واحد، بل ومن عشيرة واحدة ينتمي لها وزير الدفاع، ومن ضمنهم حفيده، كما كشفت النائبة زهرة البچاري عن أرقام القبولات حسب المحافظات، اذ حصلت بغداد مثلا على 612 قبول، فيما جاءت الموصل ب 314 قبول، وكركوك ب 135 قبول، وتكريت 113 وديالى143 ، فيما تذيلت البصرة، ثالث اكبر محافظات العراق الاعداد بقبول 71 طالباً فقط ، وميسان 30 طالباً فقط، بينما يعيش العراق كله على موارد هاتين المحافظتين فقط!! تصوروا اي ظلم واجحاف هذا الذي يلحق بهذه المدن؟!
السؤال الأهم الذي بات يطرح في كل الاروقة والمنتديات منذ نشر قوائم القبولات، عن هوية اللجان التي كلفت بقبول المتقدمين للكلية العسكرية، ومن المسؤول عن تشكيلها،ولعل السؤال الأهم يبحث عن المعايير التي تعتمدها لجان القبول في وزارة الدفاع، ومن اين تستمد ضوابطها، وكيف تضع معايير المفاضلة، ومن ثم تطبقها على المتقدمين، هل على أساس الكثافة السكانية، فالبصرة حتماً ستتقدم على كركوك وديالى الصغيرتين سكانياً، ام المعدلات الدراسية، فهل يعقل ان يصادف وجود هذا الكم من المتميزين من عشيرتين فقط دون سواهما.
الواضح دون ان نصدر احكاماً ان ثمة ضبابية في مشهد القبولات، وحدوث اشياء لا يمكن السكوت او التغاضي عنها، خصوصاً ان صحت الاحاديث عن وجود نفس طائفي في الملف، وبعد مناطقي، واستئثاري، وان ثبت ذلك فلابد من إجراءات عاجلة لمنع تكريس مثل هذا الفهم، وضرورة ان ينظر لجميع العراقيين بنظرة واحدة، وان يصار الى إعتماد معايير المواطنة والحق المتساوي بعيداً عن أي لغة تجرح الذات الوطنية، او تدفع اي فئة للشعور بالغبن والمظلومية، او تأكد عبرها المخاوف من عودة المعادلة الظالمة.
*
اضافة التعليق