بغداد- كتب المحرر السياسي في ( العراق اليوم) : من يقرأ الخارطة السياسية والعلاقات الدولية المحيطة بالعراق، ومن يتذكر عام 2020 العاصف، وكيف كانت المنطقة في لحظة اشتباك أمريكي – إيراني روسي، وما تمثلهُ الدولتان المتصارعتان من محاور، ومن يتذكر أي اشتباك إيراني – سعودي من جهة ثانية، واشتباك تركي – سعودي من طرف ثالث، وهكذا خذ في الملف السوري، حيث الاشتباك المحتدم بين روسيا وإيران وحلفائهما، والمحور المضاد في تلك الجغرافيا الملتهبة، وكل هذه الصِراعات والبؤر كانت الرئة العراقية متنفساً لها لشديد الأسف، نتيجة لأنزلاق العراق في سياسة المحاور، والإخلال الجسيم بمبدأ الحياد الذي أتُخذ، وللإمانة فأن هذا الأنزلاق كان نتيجة تداعيات سابقة، منذ تفجر الأزمة السورية، وأتخاذ الحكومة العراقية في 2011 مواقف معاكسة للاتجاهات المضادة للأنظمة العربية والأقليمية، مما فُسر على أنه انحياز عراقي لمحور ضد أخر، وهكذا بدأت كرة النار تكبر، وتتجمع وتندفع في العراق. ولعل تنظيم "داعش" كان واحداً من أوضح تجليات الأزمة السورية، وأنعكاسها المباشر على الواقع العراقي، وحربها الدامية كان بروفة اولية لحرب اكبر وأوسع، لذا فإن " الأنزلاق" نحو الحرب في نهاية هذا الاشتباك غير المباشر، كان الخيار الأقرب لكل الأطراف، لذلك كان 2020 اللحظة الفاصلة لدخول العراق في حرب أخرى، حرب مدمرة هذه المرة، بين محور الممانعة ( روسيا – الصين – ايران – كوريا الشمالية وغيرها من الدول المضادة للمشروع الأمريكي من جهة)، والمحور الأمريكي ومن يدور في فلكه من جهة أخرى، ولذا فأن " الجميع"، نعني الأطراف المتصارعة، كان يُحصي على حكومة الكاظمي الوليدة حديثاً، انفاسها، ويحسب مسافة تحركها الأقليمي بالسنتيمترات، ويريد قياس توازنها، فلا يمكن أن يسكت الجميع على تمحور العراق بين تلك الأقطاب المتصارعة، لأن ذلك يعني حسماً استراتيجياً، وانتصار محور وانتكاس أخر، فأما امتداد محور الممانعة نحو البحر المتوسط وضفاف أوربا، أو قطعه من منتصفه، وإعاقة هذا المشروع، وهو بمثابة حرب عراقية بالنيابة عن الأخرين. فأين وقف العراق وكيف تجنب ذلك المآل الرهيب؟. في الحقيقة أن حكومة الكاظمي وحيادها الدقيق، بل والإيجابي، والتوازن المُستعاد، وحفظ البلاد من التورط في " تمحور" مؤذِ، كانت الخلطة السحرية التي دفعت شبح الحرب عن العراق، وأبعدت السيناريو الأوكراني عن الخارطة الوطنية، فالكاظمي لم يمضِ قدماً في سياسات التمحور، وأتجه الى سياسات تصفير الأزمات، قبلها سحب العراق بهدوء من ساحة الاشتباك، وإقفال الفضاء الوطني أمام الاندفاعات غير المحسوبة، وراهن على وعي النخبة السياسية في تجنيب البلاد الأنزلاق نحو خيارات غير محسوبة. وسجل بذلك نجاحاً، لم يتوقف عند " تسوير" الحدود بسور عال من المواقف الإيجابية المنضبطة، بل وتجاوز ذلك للعبِ دور محوري في عقد المصالحات الأقليمية، والدفع بإتجاه الحوارات المفتوحة، عبر توفير أقنية فعالة للأتصال. وخلال عام واحد صرنا نلحظ ان المنطقة بدأت بالهدوء، وابتعاد شبح الحرب عنها، دون أن يعني ذلك انتهاء الصراع بين المحورين، ولكن وللحق، فإن الكاظمي وسياسته الهادئة وحكمته، نجحت في أبعاد هذه الحرب عن المنطقة برمتها، لا العراق وحده، ولذا فأن تفجر الأزمة الأوكرانية كان متوقعاً، تأسيساً على أن" الصراع الأمريكي – الروسي" قد وصل الى ذروته الباردة، وكان يبحث عن جغرافيا لينفس احتقانه فيها، واختار الجانبان العراق وقتذاك، لكنهما ابتعدا حين نأت حكومته بنفسها، وأوقفت الأندفاعات الداخلية والخارجية، التي كانت ستتحول الى شارة بدء تلك الحرب التي ستدمر ما تبقى من العراق – لا سمح الله- لو اندلعت.
*
اضافة التعليق