بغداد- العراق اليوم: لا شك ولا ريب ان الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي،خصوصا الكبرى منها، والتي تمتلك حضوراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط، كالمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وغيرها، تمتلك منظومات استخبارية دقيقة، ترصد من خلالها كل شيء في هذه المنطقة من العالم، وبالخصوص في العراق، البلد المحوري، والمؤثر في موقعه الجيوسياسي، وتعرف كل شاردة وواردة عن هذه البلاد، وكيف تدار فيها السياسات، وكيف هو واقعها، وبأي شكل ينتظم أمرها، وكيف تتحرك أموالها، وأين تذهب هذه الأموال، سيما ان لهذه الدول قنوات مصرفية دولية متشعبة، ولها مصالح ورعايا ستراتجية تعمل على تأمينها مباشرة. لذا فإن هذه الدول تعرف الكثير جداً عن العراق، وترصد حركة أمواله، وتتابع تفاصيل حراكه، وعلاقاته، وتشعباتها الإقليمية والدولية، بمعنى إنها تراقب عن كثب كل الأوضاع والاحداث فيه. لذلك، ومنذ وصول مصطفى الكاظمي الى منصب رئيس الوزراء، والكثير من هذه الدول تحاول جاهدة التركيز على بناء شراكات استراتيجية مع العراق، ولعل تسابق بعضها كان واضحاً، لاسيما مع وصول الرئيس الفرنسي ايماونيل ماكرون الى بغداد، واطلاقه لمشاريع تنموية شاملة، وكذلك توقيع المانيا الاتحادية لعدد من الاتفاقات والزيارات المتبادلة مع العراق، وهذه كلها امور تؤكد ما نقوله ونذهب اليه. ومن المؤكد ان هذا التسابق والاقتراب والبحث عن الشراكات لم يأتِ من فراغ أبداً، بل هي قراءة واقعية، قوامها مدى نجاح الكاظمي في تجربة حكمه، وايضا ادراك هذه الدول لحجم القوة والنفوذ الذي بات العراق يستعيده على يد الكاظمي كما أن هذه الدول، وعبر مجساتها الخاصة، تعرف التوجه والمزاج الشعبي غير المسيٌس تجاه الحكومة برئاسة الكاظمي، وكيف ان الشعب يثق بهذا الرئيس، وكيف يعطيه المشروعية للإستمرار في مهمته، وتعرف كذلك انها لن تكون مغامرة غير محسوبة ان تقدمت خطوات تجاه العراق الحالي. ايضاً فإن تجربة الرجل خلال عامه في الحكم، برهنت للعالم كله، انها تجربة تستحق الدعم والرعاية والاسناد، كونها تقف على طرف نقيض من مفاهيم التهور والتوكل عن الغير، في شن الحروب والاندفاع نحو خلق عداءات اقليمية، وتهديد الامن والسلم الدوليين. وتعرف جيداً ان فرصة وصول رئيس وزراء معتدل متوازن في العراق، يجب أن لا تذهب سدى، وان يكثف التعاون المفتوح معه، حتى لا تستعيد قوى التطرف او التهور زمام الأمور مرة اخرى، ويعود العراق بلداً (مارقاً ) او متمرداً على الاعراف والقوانين الدولية . يضاف لهذا كله، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الاوروبي وكذلك البلدان الديمقراطية والمعتدلة في مشرق الكون ومغربه تدعم التجربة الديمقراطية الفتية في العراق، وتعدها لبنة أساسية في استقرار هذا الجزء من العالم، وبدونها سينضم العراق الى "گروب" الدول المتطرفة كالسعودية وايران وغيرها، ويتحول الشرق الأوسط الى كتلة ملتهبة تحرق كل شيء حولها. فضلاً عن هذا كله، فإن الكاظمي اثبت خلال تجربة الايام الفائتة، انه شخص جدير بالثقة والاعتبار، فهو رجل نزيه، لم تمتد يده للمال العراقي، ولم يسهم في تبديد ثروات البلاد او تهريبها، وبالتالي يملك من الوطنية الشيء الكثير،. حد ان هذه الدول باتت على قناعة بأن هذه الشخصية يمكن ان تدعٌم كي تمضي تجربة العراق في مسارات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الشامل، وان يتخلص العراق من الضغوط والتدخلات المؤذية له. اضافة الى ذلك، فإن الرجل نجح بتقديم نفسه وسيطاً دولياً ناجحاً، ومجح في ان يدفع المنطقة كلها الى خفض التوترات، ويوازن بنجاح، بين المحاور المتضادة كلها، بل ان الهدوء الذي تشهده المنطقة في الصراع السعودي - الإيراني يعود الفضل الاول فيه للكاظمي، الذي عمل على جولات ناجحة من الحوار الاقليمي، وايضا قاد تحركات مكوكية في المنطقة اسفرت عن استعادة الشرق الأوسط لهدوئه النسبي. إن هذه الادوار جعلت الغرب برمته متمسكاً بخيار دعم التجربة الديمقراطية الناشئة، ومتمسكاً أيضاً بخيار دعم عراق غير منحاز الاً لنفسه ومصالحه في عالم تخيم عليه حروب الوكالات، وتديره نخب فاسدة همها بناء ذواتها، فيما يقدم الكاظمي انموذجاً جيداً للشخص الوطني العامل بكل الاتجاهات من أجل تأمين مصالح بلاده.
*
اضافة التعليق