أيها العراقيون: تمسكوا بالكاظمي وإياكم أن تفقدوه، فتندموا حيث لاينفع الندم

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

ينسب الى احد الشعراء المتقدمين الاوائل، قوله في قصيدة طويلة:

أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا

ليوم كريهةٍ وسِدادِ ثـَغْـر

وهو ما معناه التفريط بالاشخاص الاستثنائيين، واصحاب الهمم العالية، والمواقف الشاخصة، فتصبح الامم نادمة، حائرة، وتلتفت الى امسها اسفاً عليه، وهروباً من حاضر مأساوي، ولأن السعيد من اتعظ بغيره، فأننا لابد لنا ان نقيم الرجال الذين اثبتوا انهم على قدر المسؤولية، وتصدوا في وقتٍ تخلى الجميع عن المواجهة، وصمد في وقت الانكسارات المتتالية.

ولعلنا نستشهد هنا بقول الكاتب والمفكر العراقي الكبير غالب الشابندر، الذي قال في مقابلة تلفزيونية اجريت معه مؤخرا، ان " الكاظمي فرصة جيدة للعراق والعراقيين وعليهم ان لا يضيعوها من بين ايديهم"، واضاف " لن تجدوا مثله"، وهنا يضعنا الشابندر الصريح حتى المكاشفة، والجريء جداً،  يضعنا امام مسؤولية اخلاقية ووطنية وشرعية حين يحذر، فالرجل ليس له منصب حكومي، ولا يبحث عن موقع وهو في أواخر سني حياته، لكنه يقول ما يراه صوابا بعد طول تجربة وخبرة متراكمة.

ولعل سائل يسأل الشابندر، ونحن نسأل معه: كيف لن نجد مثله، ما هي مزايا الكاظمي ومؤهلاته، وما هي خصاله وخصائصه التي لا يتوافر عليها سواه؟. وهل عقمت السياسة عن ان تنجب شخصية مثل الكاظمي، والعراق ارض ولود للرجال وكبار السياسيين والعلماء والقادة؟.

الجواب بالتأكيد نعم، فهذه الارض ولادة وستظل كذلك، لكن للحق والانصاف فأن ثمة مواصفات في هذا الرجل تجعله استثنائياً في قيادة المرحلة الحالية، وأهمها حلمه وصبره وحكمته وقوة تحمله، وطول اناته، وسلميته، ومدنيته، ونظافة يده، وإيمانه بدولة مدنية ديمقراطية حقيقية حديثة تحاكي حاجة المجتمع.

إن شخصية بكل هذا العزم والحلم في آن واحد، وإن شخصيةً مثله تميل لمبدأ اللاعنف، وتؤمن بالحوار الى ابعد حد، وترفع شعار الإنسان قبل شيء لن نجد قطعاً في هذه الظروف.

نعم لن نجد مثل الكاظمي شخصاً يحارب على جهات وجبهات متعددة، لا يخشى ولايهاب ولا يرتهب، بل يمضي إذا ما رأى مصلحة العراق في اي أمر او قرار يتخذه.

  كما ان للكاظمي حكمة وبعد نظر لا يملكه الكثير من اقرانه رؤساء الوزارات او السياسيين الذين كانوا محدودي الأفق، ضيقي الرؤية، فيما وسع الكاظمي من دائرة علاقات التعاون بين العراق والعالم كله، وراح يكسب المزيد من الاصدقاء لبلادنا، ويصفر الخلافات مع من لنا معه خصومة وصلت في مرحلة ما حد العداوة.

لن نجد شخصية مثل الكاظمي بهذا الفهم لدقة المرحلة الحالية، والقرب من تحديات الوضع العام، بل سنخسر جهداً عظيماً، وقد يفتح غيابه الباب لصراعات دموية - لا سمح الله- لن تنتهي.

ان مقولة خسارة العراقيين للكاظمي ليست عاطفية البتة، قدر ما هي قراءة واقعية للمشهد بكل تفاصيله، واقتراب من جوهر التكوينات المؤثرة في صناعة المستقبل السياسي للبلاد.

ان العراق بحاجة الى ان يمنح الكاظمي فرصة متكاملة لمواصلة جهود خفض التوترات السياسية والاقتصادية والدينية، خصوصاً على مستوى الواقع الشيعي العراقي الذي وصل الى مرحلة خطيرة جداً، وينذر بتطورات دراماتيكية متسارعة، ان غاب ضابط النابض الذي يمسك بقوة على حافات البنادق المختلفة.

اننا لا ندعو مجرد دعوة مبنية على تصورات شخصية، او منافع ذاتية، قدر ما هي دعوة لإنصاف واقعنا، وتجنيب مستقبلنا من تداعيات نحن نستطيع تجاوزها ان أحسنا اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب.

دعوتنا لاستمرار الكاظمي بالمهمة، هي لمنع الاحتكاك الداخلي الذي سينفجر، فيما يعمل الرجل كأطفائي منذ توليه المنصب، ويخمد كل نيران توقدها الأجندات وتفجرها المصالح المتقاطعة.

فهل فهمنا ووعينا دعوة الشابندر وامنيته ومطالبته؟ نأمل ذلك قبل فوات الأوان.

علق هنا