بغداد- العراق اليوم: اختتمت السبت 28 أغسطس (آب) الحالي، أعمال "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة"، وقد تمخض عنه: التأكيد أن العراق كسر قيوداً وحواجز ليعود إلى دوره المؤثر والبنّاء في علاقاته مع دول الجوار بعد عزلة حاصرته لثلاثة عقود خلت. وما انعقاد هذا المؤتمر في بغداد إلا دليل على الدور الريادي للعراق في سير الأحداث في المنطقة بشكل عام، ولإيجاد مخارج واقعية للتحديات الإقليمية. شارك في المؤتمر كل من مصر، والإمارت، وقطر، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، بالإضافة إلى دول الجوار الخمس: السعودية، وإيران، وتركيا، والكويت، والأردن، فيما نفت الخارجية العراقية توجيه دعوة إلى سوريا. مقررات المؤتمر أكد البيان الختامي للمؤتمر أهمية التعاون الإيجابي على الصعيدين الإقليمي والدولي لضمان استقرار المنطقة وأمنها والتخفيف من التوترات فيها. كما أكد الزعماء والقادة المشاركون في المؤتمر استعدادهم لدعم ومساندة العراق والعمل على الوقوف إلى جانبه حكومةً وشعباً لتحقيق المصالح المشتركة، مؤكدين أهمية العراق ودوره في استقرار وأمن المنطقة. وينبئ الموقف الداعم للدول المشاركة، والمساندة الفاعلة للعراق، وبمختلف مستويات المشاركة، بمؤشرات تدعو إلى التفاؤل وتشيع الأمل وتدعو إلى نظرة إيجابية والإيمان بالنجاح على المستوى الإقليمي، إن لم يكن على المستوى الدولي. ورأى مراقبون أن استقطاب وإدارة الحوار مع الدول المجاورة، يؤشر إلى إمكانية العراق في مجال المشاركة والانفتاح على محددات السياسة الأميركية والأوروبية، كما أن سياسة التوازن والتعاون الإيجابي التي دعت إليها القمة، والتي انطلقت من بغداد، ما هي إلا مؤشر واضح إلى السياسة الحالية التي اعتمدها العراق في علاقاته الخارجية، وكانت نتيجة تجارب عاناها، وأثبتت الأيام صحتها وجدواها. وفي السياق ذاته، عبر المشاركون عن دعمهم للحكومة العراقية في عملها لتعزيز مؤسساتها وفق الآليات التي أقرها الدستور لإجراء الانتخابات المقبلة، ومن أجل ضمان نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها. وأعلن المشاركون في المؤتمر رفضهم لكل أنواع الإرهاب والتطرف، وثمنوا قدرات العراق العسكرية والأمنية والجهود المبذولة في حربه على الإرهاب، وتضحياته الجسيمة بالتعاون مع التحالف الدولي والدول الشقيقة، لتحقيق النصر، مؤكدين حتمية التعاون المشترك لمواجهة التحديات التي تهدد أمن المنطقة، وضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة الوطنية للبلدان كافة. كما أثنوا على الجهود الاستثنائية للعراق في التعامل مع ملف النازحين، وتحقيق سبل عودتهم الكريمة إلى مناطقهم بعد الانتهاء من ملف الارهاب). مساندة العراق وعلى صعيد "الإصلاح الاقتصادي"، أثنى المشاركون في المؤتمر على الدور المثمر والجاد للحكومة العراقية في خلق البيئة الاقتصادية، وتشجيع الاستثمار، ودعم عجلة التنمية المستدامة، وخلق فرص العمل للمواطنين، والعمل على تحسين الوضع الاقتصادي بشكل عام وبشتى السبل. كما أفصح المشاركون عن استعدادهم لدعم الحكومة في ملف الإعمار وتعزيز البنى التحتية وتعزيز الدور المهم للقطاع الخاص. وفي سبيل التعاون في مواجهة جائحة كورونا، اقترح المجتمعون تبادل الخبرات والاستفادة من التجارب الناجحة ودعم القطاع الصحي لما له من أثر فاعل وكبير على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بشكل عام. وتم الاتفاق على مساندة العراق وفق الاتفاقات الدولية في مواجهة التغير المناخي والاحتباس الحراري. كلمة الختام واختتم العراق فقرات المؤتمر بكلمة عبر من خلالها عن سعادته وتقديره للمشاركة الجادة لقادة الدول المجاورة والصديقة، والمنظمات الإقليمية والدولية، والبعثات الدبلوماسية. وفي استطلاع لرأي الشارع العراقي ضم أساتذة وطلاباً ومثقفين داخل العراق وخارجه لمعرفة رأيهم بالمؤتمر ونتائجه، تبين اهتماماتهم وتفاعلهم مع المناسبات السياسية وكيفية إدارتها وعلاقة النخب السياسية بالمجتمع العراقي، عبر عدد من المواطنين عن اهتمامهم بعقد مثل هذه المؤتمرات وتفاؤلهم بالنتائج، بينما كان للبعض رأي آخر بسبب انزعاجهم مما رافق المؤتمر من إجراءات. أما عن درجة الرضا عن أداء اللجان المنظمة وقدرة العراق على تأمين المستلزمات لمثل هذه المؤتمرات مقارنةً مع بلدان عربية أخرى، فتباينت الآراء. وكان للبعض رؤية في شأن الإنفاق والميزانيات المخصصة للتحضيرات والإقامة والضيافة. ولدى سؤال المستطلعين عن مدى الاهتمام بعقد مثل هذه المؤتمرات ومدى التفاؤل بالنتائج، رأى البعض أن مثل هذه المؤتمرات تُعد إيجابية، كونها تعيد العراق إلى مكانته الإقليمية، وتُؤمّن التواصل مع الدول الإقليمية، وتُعيد العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة، لا سيما مع المنطقة العربية، بعد أن ركدت بشكل سلبي. بخلاف ذلك الرأي، رأى 33.3 في المئة من المستطلعين عدم جدوى لهذه المؤتمرات مقارنةً مع تجارب مؤتمرات عقدت في بغداد كان آخرها القمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن، إذ لم يجد أصحاب هذا الرأي ما هو ملموس على أرض الواقع. ويقول أحدهم، "نعم، هناك نشاط دبلوماسي، وهناك حركة كبيرة للسياسة الخارجية، لكنها لا تمس معاناة أغلب أبناء الشعب، فالمواطن العراقي يحتاج إلى حلول آنية، وليس إلى خطط استراتيجية، ولربما تنجح مثل هذه المؤتمرات كثيراً لو أنها عقدت في بلدان أخرى أكثر استقراراً من العراق". ويضيف آخر، أن "العراق غير مستقر لأسباب عدة تتلخص في موقعه الجيوسياسي، والحسابات المعقدة في علاقاته مع كل دول الجوار، يضاف إليها ما يعانيه الفرد العراقي من مشكلات اقتصادية ضغطت بشكل كبير على حياته نتيجة ارتفاع سعر الدولار المرافق لأزمات السكن والمعيشة، لذا فإن اهتمام المواطن العراقي بهذه المؤتمرات يكون محدوداً". ويعلق آخر بأن "النتائج المرجوة تكون محدودة لمثل هذه المؤتمرات، لإدراكنا المسبق أنها تحمل أبعاداً استراتيجية، وتكون ذات طابع سياسي بشكل أساسي". في المقابل، لم يكن لـ33.3 في المئة من المستطلعين أي اهتمام أو أي بادرة تفاؤل من هذا المؤتمر. الاجراءات المرافقة وعن الإجراءات المرافقة لانعقاد المؤتمر وتأثيرها على الحياة اليومية (مثل غلق المطار وقطع الطرق، وغيرهما)، فاتفقت نسبة 58.3 في المئة على أن الإجراءات الأمنية واللوجستية تثقل كاهل المواطن وتقطع سبل العيش والتنقل بين الأماكن، وكان الأجدى ببلد عريق كالعراق وغني بالموارد والإمكانات البشرية اتخاذ إجراءات أكثر تطوراً وأماناً، مثل اتخاذ قصور وقاعات مؤتمرات في أطراف بغداد وقرب المطار لاستقبال الوفود وإدارتهم من دون الحاجة إلى تعطيل حياة الناس والاستعراض على حساب لقمة عيشهم وصحتهم. كما أن الأجهزة الأمنية المنتشرة في الشوارع والطرقات غير مدربة على التعامل في مثل هذه المناسبات، ويتم الاعتداء في بعض الأحيان على المواطنين بدلاً من إقناعهم بهدوء. في المحور ذاته، كانت هناك نسبة قبول ورضا من البعض بمقدار 41.6 في المئة، رأوا أن تلك الإجراءات اعتيادية لبلد مثل العراق يمر بظروف استثنائية، ومقبل على مرحلة انتخابية، وسط انقسام الكتل السياسية، ويولد هذا الأمر إرباكاً، ويخلط الأوراق، والإجراء السليم يكون باتباع الإجراءات الأمنية، وبالأخص أن من يحضر المؤتمر هم قادة ورؤساء، وبعضهم يزور العراق لأول مرة. وكانت دائرة المرور قد أعلنت صباح يوم المؤتمر عن الخطة المرورية وفرض حالة الإنذار القصوى ضمن خطة تأمين القمة، حيث يتم إغلاق عدد من الطرق الرئيسة والساحات والمنطقة الخضراء، من الساعة السادسة صباحاً إلى نهاية "وقت القمة"، دون الإشارة إلى ساعة محددة، ما أثار غضب واستياء المواطنين. وكذلك غلق طريق المطار وإيقاف حركة الملاحة، مما أجل عشرات الرحلات. وعن درجة الرضا عن إدارة العراق لمثل هذه المؤتمرات مقارنة مع تجارب عربية أخرى، كان الرأي بنسبة 33.3 في المئة، أنه لا بد من أن يخوض السياسيون العراقيون التجربة، ومن المستحسن إدارة المؤتمر في بغداد لأنها ضرورة وطنية ودبلوماسية وسياسية كبيرة. أما نسبة عدم التأييد فبلغت 66.6 في المئة، فبرروا ذلك بأن ميزانيات التحضير هي مجال متسع للصرف غير المبالي، والجهد غير المنتج، واستغلال المال العام من طرف البعض. وعن حجم الإنفاق والميزانية المخصصة للتحضيرات وتكلفة الإدارة والإقامة والضيافة، اعتبر أغلب المستطلعين (83.3 في المئة)، أنه في حال كانت ميزانية المؤتمر خارج تخصيصات قانون الموازنة، فهذا مثار قلق لدى المواطن، فوفق تجارب سابقة، مثل تلك الميزانيات السخية هي أبواب للفساد. وهناك مَن عبّر عن ترحيبه بانفتاح العراق عبر المؤتمرات الدولية، وعدم خشيته من الإنفاق (16.6 في المئة). وقال أحدهم إنه "من المعروف أن ثروة البلاد وفيرة جداً، وملأت بنوك العالم، ولا نخشى تكاليف مؤتمر دولي، خاصة إذا كان هذا المؤتمر مثمراً، ويصب في مصلحة وحدة البلاد ونهضتها وسعادتها. المهم النتائج، وهذا ما نطمح إليه". ويبقى السؤال الأهم بالنسبة للمواطن العراقي: هل سينجح مؤتمر بغداد لدول الجوار في تحقيق أهدافه بدعم استقرار العراق ومحاربة الإرهاب وإعادة إعمار البلد وفرض احترام سيادته وعدم التدخل في شؤونه الخاصة
*
اضافة التعليق