بغداد- العراق اليوم:
بدأ الرئيس ترامب تنفيذ وعده الانتخابي الخاص بالعرب والمسلمين ووقّع واحداً من عدة قرارات تنفيذية توصد الأبواب بوجه اللاجئين بشكل عام وطالبي الفيزا من عدة دول عربية ومسلمة.
القرارات توقف الهجرة من معظم الدول وتجمد إصدار تأشيرات الدخول لمواطني سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان والصومال وإيران. وتعد هذه القرارات من ضمن صلاحيات الرئيس التنفيذية التي لا يحتاج إلى موافقة مسبقة من الكونغرس عليها.
وقد قال الرئيس ترامب في تغريدة له يوم الثلاثاء إن غدا سيكون "يوماً هاماً للأمن الوطني، فبالإضافة إلى عدة إجراءات، سنقوم ببناء الجدار" في إشارة منه إلى الجدار المزمع بناؤه على الحدود مع المكسيك.
وحسب مصادر موثوقة رفضت الكشف عن اسمها لوكالات الأنباء فإن الأولوية لترامب ستكون حماية الحدود من المتسللين فيما سيوجه اهتمامه لاحقاً هذا الأسبوع إلى موضوع اللاجئين.
وكان ترامب قد انتقد إدارة أوباما بشدة في الحملة الانتخابية لسماحها بزيادة عدد اللاجئين السوريين الذين ستسمح إدارة أوباما بدخولهم إلى الولايات المتحدة لأسباب إنسانية. وقال ترامب حينها إنه من الصعب جداً التأكد ما إذا كان هناك إرهابيون متسللون ضمن اللاجئين السوريين.
ولذلك فقد كانت مسألة منع مواطني هذه الدول تحت شعار حماية أمن الولايات المتحدة من أولويات حملته التى بنى نجاحها جزئياً على تخويف الناخبين من المعسكر الديمقراطي الضعيف الذي سيسمح للإرهابيين بدخول أمريكا.
وبهذا سوّق صورته كقائد قوي سيحمي الولايات المتحدة من داعش والقاعدة.
وأضافت وكالات الأنباء أنه من الممكن أن يأمر ترامب وكالة الجمارك والهجرة بأن تمنع دخول مواطني الدول المشمولة بهذه القرارات من الدخول حتى لو كانوا يحملون فيزا نافذة المفعول.
كما قال مساعدون بالكونغرس وخبراء في الهجرة إنه قد يتم اتخاذ إجراءات أخرى مثل توجيه جميع الوكالات بوضع نظام للبصمات لتعريف غير المواطنين الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة ويخرجون منها وشن حملة تدقيق على المهاجرين الذين يحصلون على مساعدات حكومية بدون وجه حق.
وقد حذر خبراء قانونيون إنه من الممكن أن تثير هذه الأوامر الرئاسية ردود أفعال قانونية ضدها عن طريق رفع دعاوى قضائية تستند إلى حقيقة أن أغلب هذه الدول هي دول ذات أغلبية مسلمة. وبالتالي يعد هذا تمييزاً مبنياً على الدين، وهو ما يحظره الدستور الأمريكي.
وفي أولى ردود الأفعال دعت منظمة "كير" التي تدافع عن حقوق المسلمين في أمريكا إلى وقفة تضامنية في أحد ميادين نيويورك مساء الأربعاء للتعبير عن "الرفض لقرارات ترامب بحظر المسافرين من دول ذات أغلبية مسلمة". ودعت المنظمة في رسالة إلكترونية إلى "أن نوقد مشعلاً من نور في مواجهة الظلمة القادمة".
إن التخوف الحقيقي من هذه القرارات لا يكمن فقط في منع مواطني هذه الدول من دخول الولايات المتحدة. بل ما يثير القلق حقاً هو سياسة العقاب الجماعي والتمييز على أساس العرق والدين الذي تنتهجه هذه الإدارة بحجة الحفاظ على الأمن الوطني. فمواطنو هذه الدول هم أكثر من عانوا من دموية داعش وإرهابها. وهم الآن يدفعون ثمن عرقهم ودينهم الذي يشتركون فيه مع بعض أفراد هذه التنظيمات الإرهابية التي سفكت دماءهم.
وبهذا تكون هذه الإدارة وفي وقت مبكر قد كشفت عن أن ما قاله ترامب في حملته لم يكن دعاية انتخابية بل كان قناعة راسخة تجعله يضع هذه الأمر ضمن أولويات الأسبوع الأول من حكمه.
الأبواب توصد في وجه مواطني الدول العربية ومنها من عانى ولا يزال يعاني بسبب أخطاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بينما تفتح نفس الأبواب على مصراعيها أمام بنيامين نتنياهو مع وعد بتقديم دعم كامل لسياساته الاستيطانية، وبتحويل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
نعم من حق كل دولة أن تحمي حدودها بما تراه مناسباً. ولكن كان من المنطقي والمتوقع من رئيس تحدث كثيراً عن هزيمة داعش أن يضع على قمة أولوياته وضع استراتيجية حازمة للقضاء على داعش كما وعد ليعالج الملف الأمني من جذوره. لا أن يستهل عهده بعقاب ضحايا داعش من أبناء تلك الدول التي ينهشها الإرهاب ويرسل لهم رسالة تمييز ورفض ديني وعنصري.
يبقى أن نرى تداعيات هذه القرارات التي قد تتطور لتصبح سياسة متبعة تجاه أبناء الدول العربية بلا تمييز. فمن غير المنطقي أن نتوقع أن أبناء الدول العربية الأخرى لن يتأثروا بهذا المناخ من التشدد في تعامل أجهزة الأمن والهجرة معهم. وهذا سيكون بداية لخلق مناخ أكثر عدائية وكرهاً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط عموماً.
إنه قرار قانوني لا غبار عليه من ناحية اللوائح، ولكنه قصير النظر وبداية مشؤمة من ناحية سياسيّة لأنه يؤسس لتوترات مستقبلية مع المواطن العربي العادي في الشرق الأوسط، بل وحتى مع الجالية العربية المسلمة في أمريكا، وينشر الاحساس بالتهميش والتمييز والرفض من قبل الولايات المتحدة للعرب وبشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى.
هي بداية تنذر بتداعيات لا يمكن توقع مداها ولكنها بالتأكيد لن تكون إيجابية على مسار العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي.