بغداد- العراق اليوم: حين جلس ممثلون عن قداسة بابا الفاتيكان، وممثلون عن الإدارة العراقية لوضع جدول محطات زيارة البابا الى العراق، كانت تعليمات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الى الوفد العراقي تتمثل بالموافقة على جميع طلبات ورغبات ممثلي الفاتيكان، لاسيما في تحديد توقيتات ومواعيد تحركات قداسته، مع مراعاة بعض الجوانب والضرورات الأمنية، وهي ضرورات ستتخذ لزوماً حتى في الدولة الكبرى كأمريكا وبريطانيا والمانيا وغيرها. وأمرت رئاسة الجمهورية كذلك بتوفير جميع مستلزمات نجاح هذه الزيارة المباركة.. وكان وفد الفاتيكان قد وضع اسم كنيسة "سيدة النجاة" في العاصمة بغداد، أولى محطات البابا فرانسيس خلال زيارته التاريخية للعراق، حيث يقيم فيها قداساً بحضور رسمي وشعبي. وقد كان للجانب العراقي رأي آخر يتمثل في ان توضع هذه الكنيسة آخر محطات زيارة قداسته، لكن ممثلي الفاتيكان أصروا على رأيهم، مما جعل الجانب العراقي يوافق حالاً دون نقاش، فلماذا أصر الفاتيكان على هذا الترتيب وما هي رمزية هذه الكنيسة، والقداس فيها؟ إن رمزية هذا القداس تأتي كونه يقام في كنيسة ضربها الإرهاب في العام 2010، حيث لقي أكثر من 52 مسيحيا مصرعهم، إثر عملية تحرير عشرات الرهائن، احتجزهم تنظيم القاعدة الإرهابي داخل الكنيسة الواقع بحي الكرادة في بغداد. وبينما كانت الكنيسة تقيم قداسا، اقتحمها مسلحون، بعضهم مزوّد بأحزمة ناسفة، وأغلقوا أبواب الكنيسة بعد دخولهم واحتجازهم عشرات الرهائن، حيث طالبوا بإطلاق معتقلين من "القاعدة". واقتحمت قوة أميركية، الكنيسة برفقة المئات من القوات العراقية، لتحرير الرهائن، غير أن القصف العشوائي لعناصر "القاعدة" وتفجير أحد الانتحاريين نفسه تسبب بسقوط عشرات الضحايا، فيما تمكنت القوة المشتركة من قتل نحو ثمانية انتحاريين. لذلك أراد البابا أن يبعث رسالة عبر هذا القداس عن وحدوية الدم الإنساني وقداسته حين يكون هدفاً لأعداء الله وأعداء المحبة والسلام والإنسانية، ولا فرق لدى القتلة في ان يكون الدم المسفوح مسيحياً أو مسلماً أو غير ذلك. لذا سيكون قداس كنيسة سفينة النجاة مفتوحاً وساطعاً ومعبراً.. هذا وتعد زيارة بابا الفاتيكان للعراق أول رحلة خارجية له منذ بدء وباء كورونا العام الماضي، وتشكل الزيارة امتدادا لسلسة زيارات قام بها بابا الفاتيكان إلى الدول العربية تحت شعار تعزيز ثقافة التسامح والتعايش بين الأديان. ووصف الفاتيكان زيارة البابا بأنها "رسالة محبة وسلام لبلاد الرافدين"، تلك الرحلة التي تم إرجاؤها 20 سنة بفعل الحصار المفروض آنذاك. وتعليقا على الزيارة قال بابا الفاتيكان: "إني أتوق لمقابلتكم ورؤية وجوهكم وزيارة أرضكم، مهد الحضارة العريق والمذهل. إني أوافيكم حاجا تائبا لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب". وطالما حثّ بابا الفاتيكان على ضرورة تعايش الأديان وإشاعة روح التسامح، ذلك التوجه الذي برز في خطوات عملية، من خلال سلسلة جولات إلى دول عربية. فقد سبق أن زار البابا فرنسيس العاصمة الأردنية عمان عام 2014، ليتوجه بعد ذلك إلى فلسطين، داعيا إلى تحقيق السلم والسلام. وعام 2017، التقى البابا بشيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب، خلال المؤتمر الدولي للتسامح بمصر. أما سنة 2019، فحط خلالها البابا فرانسيس رحاله بدولة الإمارات، لتكون بذلك أول زيارة لبابا الفاتيكان إلى منطقة الخليج. زيارة اعتبرها البابا صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الديانات وتحقيق التلاقي الثقافي والحضاري بين الشعوب، إذ وقّع خلالها على وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب. وبعدها بشهر، زار البابا فرانسيس العاصمة المغربية الرباط، مؤكدا ضرورة تبني ثقافة الحوار باستمرار من أجل بناء مجتمع متضامن. ومن المنتظر أن تثمر زيارة البابا إلى العراق نتائج إيجابية، يعوّل عليها العراقيون لتسهم في ترسيخ الاستقرار وتفتح باب المصالحة بين مختلف مكونات الطيف العراقي.
*
اضافة التعليق