بغداد- العراق اليوم:
لربما لم يواجه أي رئيس وزراء عراقي بعد 2003، ما واجهه رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، من مأزق حقيقي في معالجة مشكلة التعامل مع الإدارة الأمريكية، وانعكاس الصراع الداخلي في الولايات المتحدة على العلاقة مع العراق، خصوصاً خلال الشهرين الأخيرين اللذين تليا عملية إنتخابات الرئاسة وخسارة ترامب . نعم، فهذه هي المرة الأولى التي يضطر فيها رئيس وزراء ان يتعامل مع مرحلة انتقال سياسي في الادارة الأمريكية، معقدة ومتصارعة بمثل هذا التعقيد والصراع المتأجج، وبهذا الإستقطاب الذي وصل الى فرز قادة وزعماء العالم، وخصوصاً الشرق الأوسط، وتصنيفهم الى معسكرين، الأول حليف ترامب، والذي وضع بيضه كله في سلته، كما فعل حكام المملكة العربية ولربما الأمارات أيضاً، أو حليف وداعم لبايدن ومراهن عليه، كما هو الحال في قطر وغيرها من البلدان الأخرى، لكن كيف تخلص العراق من حساسية هذه الثنائية خلال الأشهر الصعبة الماضية، وأبقى علاقاته مفتوحة القنوات، ومن المؤمل ان تكون على ذات الوتيرة خلال دورة الرئيس المُنتخب جو بايدن؟. الاجابة دون تهويل او تزويق، تتلخص في قدرة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي على حفظ التوازن المطلوب في شكل العلاقة، والنأي بالعراق ودولته عن الاستقطاب الداخلي الأمريكي، أو التحول لورقة يتنافس المرشحان في كسبها، بل استطاع بدبلوماسية ومرونة -وهذا برأينا جزء من بناء شخصية الكاظمي -فضلاً عن قدرات تفاوضية غير معلنة يتمتع بها أيضاً، فتمكن من أن يحيد نفسه والبلاد عن الوقوع في مأزق أحد المعسكرين المتصارعين، ويحتفظ بنفس المسافة بينه وبين المرشحين، ولاحقاً بين الرئيسين، فلم يجرِ قطعاً تصنيفه على أنه جزء من حلف هذا، أو في حالة عداء لحلف ذاك، وهذا لعمري أمر غاية في الصعوبة، خصوصاً وإن أحد هذين القطبي هو ترامب الذي لا يرى غير نفسه، فأما معه أو ضده ! لقد نجح الكاظمي بما يملك من خصائص شخصية، وبهذا بهذا الفهم الموضوعي لشكل الشراكة والعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، في أدارة ثلاثة اشهر لربما هي الأصعب في تاريخ وزارات ما بعد 2003، ونجح لغاية الآن، أن يتجنب الوقوف في منطقة التقاطع الشديد بين الرئيسين، المنتخب والمنتهية ولايته، وهما يتصارعان بقوة الشارع الأمريكي تارةً، وبملفات خارجية تارةً اخرى، وصولاً الى صراع الكابيتول الشهير. المطلعون على طريقة ادارة الرئيس الامريكي ترامب، وعلاقاته برؤساء الدول، ولاسيما التي تصنف حليفة او قريبة من الولايات المتحدة، سيجدون ان الرئيس الامريكي المنصرف ترامب، قد تعامل بطريقة أن لا حلول وسطى قط، فأما معي أو ضدي، لكن الكاظمي لم يوقع العراق في مثل هذا المحور، بل بقي في منطقة الحياد المطلوب، مع تواصل الحوارات والعلاقات مع كلا الرئيسين، وهو ما يبشر بعلاقات جيدة مع الادارة الديمقراطية الجديدة التي تفهم تعقيدات الوضع العراقي، وتتفهم رغبة رئيس الوزراء الواضحة في صيانة النظام الديمقراطي الناشئ في العراق، وتعزيز مؤسسات مكافحة الأرهاب والفساد والجريمة، ووقف عمليات هدر الفرص والأموال التي سادت طوال سنوات، فضلاً عن تجفيف منابع التوتر العالية في المنطقة، وصولاً الى خفض متكامل لمستوى الصراع المتأجج، وبذا سيكون قد ضمنت المنطقة عهداً غير مسبوق من الاستقرار السياسي والأمني والتعاون المثمر في سبيل بناء سلام عادل للجميع.
*
اضافة التعليق