بغداد- العراق اليوم:
عمار البغدادي
البعثيون قرشيون في الممارسة السياسية .. قريش بعد فتح مكة في السنة العاشرة من الهجرة استوعبت الدعوة الاسلامية واحتوت اعصار انهيار جبروتها السياسي وسقايتها الاقتصادية وهمينتها على الموارد الاجتماعية واشتغلت على استعادة هويتها في المجتمع وكيانها الشخصي في السلطة الجديدة وربما كانت مقولة ابي سفيان "والذي يحلف به ابو سفيان" دليل جوهري على انكاره الايمان بالرسالة والتسليم بسلطانها السياسي وبقائه على ارثه الجاهلي !. لذلك بقيت مكة بعد الاسلام قرشية الولاء والتبعية السياسية والدينية للجاهلية السفيانية ولم تشهد المدينة اي تحول جوهري في نشأة اجيالها البشرية يتحدث عن الاسلام فيما بقيت سطوة السفيانية ظاهرة واضحة ولم يستطع الحاكم الاسلامي الذي ولاه النبي "ص" على مكة من هدم البنيان السفياني والقضاء على الجاهلية بشكل كامل . الدليل على استمرار الاوضاع الجاهلية في مكة بعد الفتح الاسلامي لها ان الخليفة الثاني شكل اول حكومة اسلامية بارادات وشخصيات ارستقراطية مكية مثل معاوية بن ابي سفيان الذي ولاه الشام واستعان عثمان بن عفان بقبيلته آل ابي معيط في توريث اوضاع الدولة الاسلامية التي آل اليه امرها في الشورى التي انشأها عمر بن الخطاب .. وحين تولى الامام علي "ع" مقاليد الادارة السياسية استرد الاموال الاسلامية التي تلاعبت بها هذه العشيرة القرشية فيما رفع الامام علي "ع" شعار "استرد اموال بيت مال المسلمين ولو تزوج به " في اشارة الى عملية الردع الرسالي لهذه العشيرة الجاهلية وارستقراطية رجالها وعبثهم بالمال العام . البعثيون قرشيون بالضرورة وربما استفادوا من تجربة قريش بعد التغيير السياسي والعسكري الذي حدث في التاسع من نيسان 2003 حيث تم استيعاب الضربة العسكرية والسياسية القاصمة عبر التسلل والتسرب لمؤسسات الدولة تحت صيغ وغطاءات طائفية دفاعا عن المكون السني في وقتها والسيادة الوطنية في مواجهة مشروع التوسع الايراني ومرة اخرى القتال تحت غطاء المقاومة المسلحة وفصائل ثورة العشرين وحماس العراق ومجلس المقاومة الوطنية الى آخره من الفصائل والكيانات اضافة الى الجناح السياسي والعسكري للطريقة النقشبندية وحزب البعث الذي يقوده عزت الدوري والاخر الذي يتزعمه محمد يونس الاحمد . نفس الاساليب القرشية استخدمها البعثيون قبل 17 عاما وما زالوا يستخدمونها وقد نجح اطراف منهم في التسرب الى مواقع سياسية ونيابية وعسكرية واعلامية وباتوا يختبأون في المواقع الرئاسية والمسؤوليات الكبيرة ويعمل عدد منهم مستشارين بمراكز مهمة في الدولة العراقية . يحدث هذا في ظل تسامح وغض نظر وعدم استيعاب للمؤامرة السياسية الكبرى التي يشتغل عليها البعثيون قبل 17 عاما ومازالوا .. اظن ان جزءا كبيرا من الفريق السياسي العراقي الحالي الموجود في السلطة او خارجها يعرف جيدا ان البعث استعاد الكثير من المواقع والسواتر والمناطق والمراكز التي فقدها في التاسع من نيسان وانه نجح في اختراق المنظومات المركزية في الدولة العراقية واذا كان اسم البعث محظورا في بداية التغيير وملاحقة البعثيين كانت قائمة على قدم وساق مثل اسم حزب الدعوة في زمن النظام السابق فالبعث لم يعد حزبا خطيرا لايمكن ايراد اسمه على السنة العامة والخاصة في دوائر الدولة ومنتديات الثقافة ومجالس السياسيين ومنابر الاعلام وكلام الناس وربما يأتي يوم تحل فيه الهيئة الخاصة باجتثاثه لانتفاء مبررات التشكيل كما حلت المحكمة العليا الخاصة بمحاكمة رموز النظام السابق !. كل شيء قابل للوقوع وكل شيء ممكن ان يحدث في ظل "توافق سياسي" على عدم التحرش بالبعث العربي !. في الحكومة السابقة بدأت مؤشرات "ادماج البعث " في الحياة السياسية عبر اجراءات غض النظر عن الجرائم التي ارتكبها مجرموه ولاذوا بالفرار في الدول العربية المجاورة واعادة بيوتهم المصادرة وترتيب اجراءات قانونية لابنائهم والكف عن الملاحقة وتسهيل عمليات عودتهم وكنت شاهدا على نمط هذه الاجراءات في الاشهر الاولى من الحكومة السابقة ! البعثيون يعودون الى الدولة والمجتمع والمؤسسات بقوة اكبر وربما استعان عدد من السياسيين بعدد من البعثيين لاضفاء صبغة التسامح واستيعاب الرسائل السياسية المطلوبة منه اقليميا ودوليا لتسهيل مهمات ادارته السياسية، لقد صارت عودة البعث الى الحياة السياسية ممكنة بتعميم الفوضى والتدمير وخلق اجواء مرتبكة تسهم في تعطيل حركة الدولة التي تشتغل على اجتثاث فكر البعث الذي دمر العراق وقتل الملايين وسمم البيئة البشرية ولم يتخلص المجتمع الدولي منه الا بحملة عسكرية قادتها الولايات المتحدة الامريكية لاجتثاثه بمشاركة 45 دولة في العالم . ان البعث الذي دمر العراق خلال 35 عاما يحاول البعض من المتعاونين مع البعث والبعثيون الموجودون في السلطة واتجاهات الدولة الاخرى اعادته الى العراق مجدداً مستفيدين من طابع الفشل وسوء ادارة الدولة وغياب الخدمات المتكرر في جميع الحكومات العراقية السابقة !. لاينبغي التسامح مع البعث الذي اجهزت الحملة الدولية وتحت عنوان انقاذ العراق من استبداده ودمويته وجبروته عليه، او الحاقه بالجهود المبذولة في اطار المصالحة الوطنية، ذلك ان العودة تنطوي على مخاطر كبيرة خصوصا مع انسحاب القوات الامريكية من العراق وترك الامر بيد الخلافات السياسية التي لاتنتهي، والفوضى الشاملة التي تمر بها البلاد، ولعل هذه العودة بالتحولات التي يشهدها العراق حاليا تعطي انطباعا مخيفا ان وراء الانسحاب المفاجئ امراً مريباً، وان الدولة العراقية الحالية التي تتناهبها رياح القلق السياسي والامني والعسكري والاجتياحات الاقليمية الممنهجة جاهزة لقراءة سورة الفاتحة على روحها !. حذار من السماح للبعث وعاشقيه ومن يتغنون بامجاده ويحنون لارثه وماضيه بالعودة مرة اخرى .. نقول هذا الكلام في وقت نشهد فيه تأُثير البعث عبر رجاله ومؤيديه في مواقع التأُثير الاعلامي والسياسي في البلاد، ومن يقول ان البعث لم يتسرب لاجهزة البلاد ومواقعها السياسية والعسكرية والاقتصادية المسؤولة فهو لايقرأ التحولات جيدأ. اللهم اشهد اني بلغت !.
*
اضافة التعليق