بغداد- العراق اليوم:
الحلقة السابعة - الجزء الثاني
إما في قطاع إنشاء وصيانة الطرق فقد كانت الستراتيجية أوضح من حيث ان المطلوب كان محاولة تحويل طرق الموت إلى طرق الحياة.
حيث إن إحصائيات الحوادث لعام ٢٠١٠ كانت تشير الوفاة ٥٠٠٠ شخص وإصابة 90 إلف شخص جراء الحوادث المسجلة في مراكز الشرطة والمستشفيات، وان لا يبقى طريق بين محافظتين أو مركز محافظة، وقضاء مهم بممر واحد ويجب إن يكون بممرين للذهاب والإياب وان يتم اخراج المرور الكثيف من مراكز المدن باستخدام الطرق الحولية، وكذلك صيانة الطرق الرئيسية والسريعة، وإنشاء طرق جديدة تستخدم للزائرين وكطرق مساعدة ( حيث كنّا نتوقع ازدياد طردي للزائرين للسنين القادمة) ، ومنع الأحمال غير القانونية من السير على طرق العراق( حيث كان أصحاب البضائع التي تأتي من دول الجوار يقومون بتحميل الشاحنة الواحدة التي تدخل العراق في مناطق التبادل التجاري بحمل شاحنتين من دول الجوار)، واستكمال القناة الجافة من خلال طريق المرور السريع رقم ٢ الذي يمتد من شمال غرب بغداد حتى الموصل، فإقليم كردستان فالحدود التركية مع ربطه مع خط الطريق السريع الحالي بطريق الدائري من غرب إلى شمال بغداد يبدأ من أبو غريب إلى التاجي .
وجدنا أيضا مجموعة متلكئة أو متوقفة من المشاريع بدون أسباب حقيقية، وهنا أودّ أن اذكر بعض الأمور التي حدثت حينها والتي رسخت في قناعاتي وجود الدولة الخفية وجعلتني ابحث عن جذورها في مؤسساتنا الحكومية بجدية .
الشركة التركية والدولة الخفية !
كان أكثر مشروع معقد هو الممر الثاني للطريق السريع وربطه بمحافظة المثنى، وكان تنفيذه قد أُحيل إلى إحدى الشركات التركية في عام ٢٠٠٤ ،حيث إن نسبة انجازه لحد العام ٢٠١١ متدنية، ولأسباب غير معلومة فصاحب الشركة يلوم الدائرة المعنية، والمسؤولون عن هذه الدائرة يلومون المقاول، وهكذا دواليك والذي يدفع الثمن هو المواطن المستخدم للطريق فاتخذنا قرار بسحب العمل واستحصال موافقة مجلس الوزراء بان يتم التنفيذ من قبل شركات الوزارة المختصة بالطرق تنفيذا مباشراً.
وفعلا باشرت هذه الشركات العمل بداية ٢٠١٣ ، وأيضا توقفت عن العمل كالمشاريع الحيوية الأخرى جراء الازمة المالية عام ٢٠١٥، المهم بالموضوع هو حجم الهجمة والضغوط التي تعرضنا لها حينها ترغيبا وترهيبا من جراء تمشية إجراءات المشروع حتى وصل الأمر إلى يتم تأجير صفحه كاملة كإعلان في عدد من الجرائد مليء بالمغالطات والاتهامات للوزير وأركان الوزارة مع العلم إن المقاول اشتكى قضائيا وردت دعوته.
ذات الأمر وجدناه عندما بدأنا إكمال تحويلة المحمودية، فقد حاول الكثيرون من داخل وخارج الوزارة والحكومة، بشتى الطرق أعاقة المشروع بحجة إن المقاول كان فاشلاً، مثل الطريق السريع لكن الحقيقة، كانت إن بعض الموظفين هم من كانوا يعيقون العمل بحجج واهية، وتم نقلهم من دائرة المهندس المقيم، فثارت ثائرة أحزاب ورجال إعمال وسفراء دول وإعلاميين حول موضوع نقل ٤ مهندسين من المحمودية إلى بغداد!!
فبالله عليك، عزيزي القارئ هل يوجد تفسير لهذه الهجمة والوساطات من اجل نقل ٤ مهندسين?! اترك الجواب لكم.
مضحكات مبكيات !
إما من الطرائف المبكية بهذا الخصوص فقد كان الطريق السريع بين الخط الدولي ومدينة الحلة المسمى حلة- كيش، وهو طريق بديل لطريق النيل القديم الذي كان عبارة عن ممر واحد ومعدل الوفيات اليومي فيه ٥ أشخاص في عام ٢٠١٠، نعم الرقم غير مبالغ فيه وقد سبق وان أعلنت سابقا إن مجموع الوفيات في العراق جراء حوادث السير يقترب من عدد الشهداء في الحوادث الإرهابية.
وتم استبدال ذلك الطريق بطريق سريع بثلاث ممرات بكل اتجاه ، لكن عندما أتذكر لماذا كان متوقف هذا المشروع يختلط عندي الضحك مع البكاء، والنكتة مع الحزن على واقع حال الإدارة الحكومية ويتضح لي جليا دور الدولة الخفية.
فقد كان هناك بيت وحيد قديم ومتروك في الطريق ولا احد يفكر في إزالته لأنه ملك فردي لشخص من أهالي المنطقة فوجهنا الدائرة القانونية باستكمال إجراءات الشراء والاستملاك القانوني مقابل تعويض يدفع لصاحب الملك يتم تقريره من قبل المحكمة المختصة ، تم ذلك واستلم صاحب الدار التعويض وأصبح الدار ملك للدولة، ومن المفروض ان يتم هدمه للمباشرة بإقامة الطريق.
لكني فوجئت بعد ثلاث أشهر إن الدار على حاله والعمل متوقف فتساءلت بغضب شديد عن السبب فكان الجواب من القسم القانوني للدائرة المعنية إن الدار أصبح ملك للدولة بحكم القضاء، ولكي نستطيع هدمه يجب ان تباع مواده بالمزاد العلني فقلت اذا اهدموه وبيعوا مواد التهديم بالمزاد العلني فكان الجواب لايمكن ذلك يجب ان نبيع المواد والبيت على حاله حتى يأتي المشتري ويهدم البيت بمعرفته!!!
قلت فليتم ذلك لماذا التأخير فكانت الصاعقة بجوابهم القانوني ان قبل المزاد يجب تقييم المواد التي يراد بيعها لكي يصل المزاد إلى القيمة الحقيقية، وعندما تم تقييم البيت تم تقييمه على أساس بيت وليس مواد للتفليش ( بالمصطلح الهندسي) وعندما جرى المزاد فكل المشتركين يعطون أسعار للمواد المتوقع ان تستخرج منه ولكن هذا الأسعار لم تصل للسعر التقيمي ، ببساطه لأنه مقيم كدار متكامل !!!! لذلك تم أعاده المزاد ٣ مرات ولم تحصل الدائرة على سعر التقييم .
والعمل متوقف ٦ أشهر والكيان العميق ينتصر باسم التعليمات والقوانين والأرواح تزهق على الطريق القديم. فذهبت بنفسي وأمرت سائق الشفل بان يهدم الدار على مسؤوليتي الشخصية، وبعد هدمه طلبت أعادة التقييم على المواد، فتم إعادة تقييمها كمواد وتم بيعها ورفعها خلال أسبوع وبدأ العمل ليلا ونهارا لإنجازه، لكن تم الكتابة للمفتش العام والنزاهة بان الوزير خالف القانون وأهدر المال العام بهدم الدار لأنه كان من الممكن ان يأتي بسعر اعلى لو بقي داراً!!!!
متناسين الوقت والهدر في الأموال والأرواح جراء توقف المشروع ومع ذلك تم انجاز الطريق بجهود الخيرين من أبناء الوزارة الذين واصلوا الليل بالنهار، فقد كان مدير عام الشركة الحكومية المنفذة ينام في المشروع ولا يتمتع بالنزول إلى عائلته ثلاث أشهر في بعض الأحيان، وهو نفس المدير العام الشريف الذي أنجز مشروع طريق الزائرين لكن السلطة لم تكرمه بل قامت بإغلاق الطريق بعد افتتاحه بأسبوع بالصبات الكونكريتية بحجة دواعي أمنية ( الحقيقة إن الانتخابات كانت على الأبواب فلم يريدوا إن تجبير انتخابيا وفتحوا الطريق بعد يوم من انتهاء الانتخابات).
الأدهى من ذلك إن الدولة الخفية قررت عقوبة هذا المدير وفريق العمل وجعله عبره لكل من يحاول إن يعمل بجد وإخلاص في هذا البلد، فحرّكت إتباعها في جميع المفاصل ولازال الرجل وفريقه يتيهون في دهاليز هيئة النزاهة والقضاء حتى كتابة هذه السطور ، بحجة أنهم صرفوا مخصصات طعام مرتين صباحا ومساءا، والتعليمات تقول الصرف للطعام مرة واحدة يوميا والجواب إن من يعمل صباحا يأكل، فماذا عن من يعمل في الشفت المسائي إلا يأكل!؟
لكن لا حياة لمن تنادي ثم جعلوا من شراء السياج الواقي للأرواح بسرعة وضمن التسعيرة المسموح بها جريمة ، ولا يريدوا إن يفهموا هذه الحقائق اما جهلاً وأما عمدا وعندما ندافع عنهم نتهم أيضا، والسبب واضح ان الدولة الخفية وجهت بمعاقبة كل من ينجز عمل في العراق . على العموم حتى لو وقع جور الكيان الموازي وسكوت السلطة على كاتب السطور أو المدير العام او فريقه الإداري فعزاؤنا ان نسبة الحوادث قلت بنسبة ٩٣٪ حسب إحصاءات 2٠١٥ ولم تحدث ولا حالة وفاة وأصبحت المدة بين الخط الدولي والحلة ٨ دقائق، وهذا ما يحق للعاملين بهذا المشروع ان يفتخروا به.
إما ما حدث عندما قررنا ان نبني محطات لوزن الشاحنات للحفاظ على طرق العراق من التخريب ، خصوصا ان لكل شارع تصميم إنشائي حسب المواصفات العالمية، ليتحمل الأوزان الموجودة في الشاحنات حسب نوع الشاحنة وعلى هذا الأساس في كل البلدان هناك حدود لأحمال الشاحنات لا تتجاوز الطاقة التصميمية التحملية للطريق.
إِلَّا في العراق حيث انه لا يوجد تطبيق لهذا المبدأ بِعد العام ٢٠٠٣ فد كانت الشاحنات التي تأتي من دول الجوار او اقليم كردستان تفرغ حمولة كل شاحنتين بشاحنة واحدة، اي ان ضعف الحمل المقرر يسير على طرق العراق مسبباٌ تدمير مستمر فيها خصوصا في مناطق السيطرات الامنية ، فقد كانت الحرب على المشروع منذ البداية علنية فأوّل عائق وضع في وجه المشروع هو عدم وجود قانون يسمح بجباية أجور وزن الشاحنات ولا لفرض غرامات !!!
فقمنا بإعداد صيغة تعديل لقانون الطرق رقم ٣٥ من اجل ان يتم إضافة صيغة قانونيةـ ومن ثم تم إقراره في مجلس النواب .
بعدها كان مجموعة من الموظفين لسبب مجهول حينها ( لكن ألان وضحت الصورة) يتعمدون وضع أخطاء في التصميم من اجل تأخير التنفيذ وفي كل مرة نرجع التصاميم تأخذ أشهر لتعديلها إلى إن تدخلت شخصياً مع مدير العام الدائرة المختصة بالتصاميم لإنجازها بعد تشخيص المسيئين.
فكان القرار إن نبني ٧٤ محطة موزعة على محافظات البلد كافة ماعدا الإقليم وتم تقسيم المحافظات جغرافية، وبدأنا بالمنطقة الجنوبية لان الأراضي التي يقام عليها المشروع كان الحصول عليها أسهل، وتم الإعلان عن مناقصه لتنفيذ المنطقة الأولى وهنا كشر الكيان الموازي عن أنيابه مرةً أخرى فاتت بعض عروض التنفيذ بأسعار غير منطقية تماما، فعندما نحسب سعر الميزان ذو المنشأ الغربي الرصين مضافاً له سعر البناء لبناية المحطة وأعمال الطريق وساحة وقوف السيارات يكون السعر بحوالي المليون ونصف المليون دولار للمحطة الواحدة لكن بعض العروض جاءت بسعر اقل من مليون دولار للمحطة الواحدة وهذا الأمر كان واضح للجان المختصة بان الغرض هو ان يتم إحالة المشروع إلى أوطئ سعر والذي من المستحيل تحت إي منطق إن يكون قادرًا على الإيفاء بالتزاماته وإنما الهدف هو إن لا يتم انجاز المشروع وهذا ما حصل لاحقا مع المناطق الأخرى .
على العموم تم إحالة العمل من قبل اللجان المختصة إلى الشركة الرصينة التي تقدمت بسعر اقرب إلى السعر المنطقي وتم إتباع أسلوب اختيار أفضل العروض وليس أوطأ العروض ، وقامت لجنة مختصة بزيارة مقر ومصانع الشركة المختصة في بلد المنشأ، وتم ترتيب دورة تدريبية للمهندسين في بلد المنشأ ، كي يتدربوا على تشغيل الميزان الالكتروني الحديث .
هنا قامت قيامة الكيان الموازي داخل الوزارة وخارجها وتم إحالة الموضوع إلى النزاهة والقضاء والمحاكم وتم النيل من كل الذين عملوا بالمشروع وعلى رأسهم إنا شخصيا ومن جميع الاتجاهات، بل إن قنوات تلفزيونية، أصبح شغلها الشاغل هذا الموضوع، كأّن البلد ليس فيه فساد حقيقي ولا شيء أخر إلا هذا الموضوع.
لكن إرادة الخيرين كانت أقوى، وتم انجاز المشروع مع العلم انه لحد كتابة هذه السطور، لم يتم تصفية حساب المقاول ولم تدفع له مستحقاته كعقاب على الإنجاز .
بينما المناطق الأخرى التي تم إعلانها بِعد المنطقة الأولى، فقد تمت إحالتها من قبل اللجان للأسف ( بعد إن تعرضت للتهديد بالنزاهة وغيرها) إلى العروض الواطئة ولم يتم انجاز ولا محطة واحدة في إي محافظة، بل بدأ البعض بتفجير موقع المحطات، وبدأ المقاولون يتحججون بذلك ولا ينجزون إي شيء ولحد الآن المشروع متوقف.
إما المنطقة الأولى فقد تم إكمال المحطات، وعندما وصلنا مرحلة التشغيل بدأ مسلسل الإعاقات مرةً أخرى، ولكن هذه المرة حول تفسير القانون وكيفية تشغيل المحطة الواحدة، هل حسب قانون إيجار أموال الدولة، أم حسب قانون الطرق أم حسب قانون الاستثمار..؟
تم اللجوء لمجلس شورى الدولة وتم واستحصال تفسير قانوني بعد ٨ أشهر تقريبا، وتم الإعلان على ان يكون التشغيل بالمشاركة بين القطاع الخاص والدولة وكانت النسب المتوقعة، ان تكون ٥٥٪ للدولة و٤٥٪ للمشغل من القطاع الخاص وأيضا وكعادتهم انبرى إتباع الكيان الخفي للأمر، وتقدموا بعروض وصلت لان يكون حصتهم ٢٪ وللدولة ٩٨٪ ، وكيف لأحد إن يرفض هذا العرض السخي من القطاع الخاص !!!!!
لكن حقيقة الأمر كانت واضحة لنا لان نسبة٢٪ لا تغطي حتى مصاريف الحراسة بينما المقصود، كان إن لا يتم وزن الشاحنات وإنما إعطاء وصل فقط، وكان هذا التنسيق المتفق عليه بين المشغل المحتمل وأصحاب شركات النقليات للبضائع وبعض موظفي الدولة وبإشراف الكيان الخفي، لكي يتم تفريغ المشروع من محتواه وإفشاله بعد إن تم إفشال إنشاء المحطات الباقية في المناطق الأخرى .
تم رفض هذا العطاء وإلغاء الإعلان والبحث عن مخرج وبعدها تركت مهامي في إدارة الوزارة، وتم تشكيل حكومة جديدة تصرفت بموضوع تشغيل المحطات المنجزة بمعرفتها.
بالنتيجة للأسف مازالت الشاحنات التي تحمل أضعاف الأوزان المسموح بها، تعيث في طرق العراق تخريبا وتدمير و لا ينفع اي برنامج لصيانة الطرق فبل إن تنضبط الأحمال في الشاحنات وكل ما يصرف من مبالغ على الصيانة والتأهيل سيذهب هدرا لان السبب في الحمولات الزائدة وليس في الطرق...
يتبع