بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي الرياضة فوز وخسارة، هكذا كانت، وهكذا ستبقى الى الأبد. وبطبيعة الحال فإن في الرياضة -غير الفوز والخسارة- مساحات قيمية وأخلاقية وتربوية، وحتى ترفيهية واسعة، وهذه المساحات تتقاسم كيان الرياضة، مثلما تتقاسم أعضاء الجسم كيان الإنسان. الجميع يعلم أن التنافسات الرياضية تفرز نتائج وأرقاماً بعضها يكون متوقعاً وطبيعياً، والبعض الآخر قد يكون مفاجئاً وربما صادماً، كما حصل في نتيجة مباراة أمس التي جمعت فريقي برشلونة وبايرن ميونخ، إذ لم يكن احد يتوقع أن تخسر البرشا بسبعة أهداف، مثلما لم يكن أحد يتوقع ان تهزم البرازيل بين جمهورها وعلى ملعبها أمام المانيا بسبعة اهداف في شبه نهائي كأس العالم 2014 . لقد كانت جماهير كرة القدم في كل دول العالم تترقب أمس مباراة برشلونة الإسباني وبايرن ميونخ الألماني للترشح الى الدور نصف النهائي لأبطال أوروبا، وكانت العيون ترنو الى ملعب (النور) في العاصمة البرتغالية (لشبونة)، لتتابع هذه الملحمة الكروية الكبيرة، وطبعاً فإن لا أحد فيهم كان يتوقع مثل هذه النتيجة العجيبة.. ولكن هذه هي كرة القدم، وهذه أحوالها، وأهوالها. فمهما كان الأمر غريباً وسريالياً يصبح في دنيا الرياضة طبيعياً، لكن الأمر غير الطبيعي في مباراة أمس هو ما ظهر على وجوه ومفردات وكاميرات وتحليلات وتعليقات قنوات بي إن سبورت "الرياضية" القطرية. فهذه القنوات ظهرت أمس على حقيقتها، رغم كل المساحيق التي عبأت بها وجوه مذيعيها. ولا يخفى على أحد أن القاصي والداني من أبناء الأسرة الكروية العالمية عرف الان نتيجة هذه المباراة، كما تعرف على أغلب تفاصيل ما حدث من دراما مؤلمة، واجزم أن جمهور نادي برشلونة لم يحزن لوحده على ما حصل من ألم أمس، بل حزن لأجله الكثير من الجمهور الكروي في العالم، بما في ذلك بعض جمهور النادي المنافس لبرشلونة -وأقصد جمهور ريال مدريد- إذ ليس من المروءة أن يهان فريق عظيم مثل فريق برشلونة، وهناك من يفرح لهذه الإهانة، ولا من المفيد لأحد من جمهور الكرة في قارات العالم السبع، أن يتعرض فريق رائع وممتع يضم الساحر ميسي وباقة من اللاعبين الفنانين، الى هذه النتيجة القاسية، وهناك من يسعد لذلك. نعم إن الخسارة ثقيلة جداً، حتى أن (بيكيه) قال بعد المباراة: إنها عار ما بعده عار ! وكي أكون عادلاً أقول: إنها خسارة مستحقة لبرشلونة دون شك، فهو لم يكن في مستوى المباراة، كما يمكن ان يقال عنه أكثر من هذا الكلام! ولكن هل تجوز الشماتة بفريق تعرض لفجيعة ومصاب أليم - نعم هي فجيعة ومصاب أليم- وإذا إفترضنا أن جمهوراً معيناً قد فرح بهذه الخسارة، وطرب لها، وربما شمت أيضاً، ولكن هل يحق لشبكة رياضية، لديها الملايين من المشتركين في شتى أنحاء العالم، يدفعون لها إشتراكات مالية كبيرة، وبينهم ملايين المشتركين الذين يعشقون نادي برشلونة، أقول هل يحق لهذه الشبكة أن تجرح احاسيس هؤلاء الملايين.. ؟والسؤال الأهم: أليس من الواجب عليها، وهي التي تستفيد وتربح منهم ملايين الدولارات ان تحترم مشاعرهم، أليس لهذه الملايين البرشلونية حق احترام مشاعرها لا أن تتعرض الى الغمز واللمز بل والطعن المعلن في ساعة مصيبتها وليس بعد؟ وإذا كانت شبكة قنوات آلبي إن سبورت قد تخلت عن القيم والأخلاق والحياء، فقد كان عليها ان تراعي جمهور البرشا من أجل اشتراكاتهم على الأقل، والتي بدونها لما حصلت هذه الشبكة على ما حصلت عليه؟! إني اتحدث هنا مع شبكة آلبي إن سبورت بلغة (البزنس)وليس باللغة الإنسانية، أو الأخلاقية أو الرياضية،لأن أرجوزات الخليفي لا يفهمون غير لغة المال والبزنس. نعم، لقد تجاوز العاملون في قنوات بي إن سبورت القطرية امس كل مألوف، وكشفوا بغباء عن وجوههم القبيحة، فظهروا بعد المباراة فرحين مهللين شامتين دون أي مبرر، خاصةً وإن الفائز فريق ألماني، والخاسر فريق إسباني، ولا شيء من الطحين سيدخل في كيس الخليفي، إن فاز برشلونة أو خسر، غير أن هناك عقدة وشعوراً دونياً يشعر به الصغار دائماً أزاء الكبار ! أما وقد ظهر العاملون في قنوات هذه الشبكة، بالصورة المخزية والغريبة التي ظهروا بها أمس بعد المباراة، وهم يتضاحكون كالسكارى، ويتغالبون كالقرود فيما بينهم من أجل الإستحواذ على أطول وقت يتمكنون فيه إلحاق الإهانة بميسي وزملائه، فهو أمر يدعو للعجب، بل والدهشة ! تصوروا إن أحدهم - المصري هيثم فاروق - دخل الأستوديو راقصاً، وكأنه يحضر عرس أخته، حتى أن زميله - وهو قرد مثله - أسمه محمد كيدان، فضحه علناً وأمام المشاهدين! لقد كانت قنوات بي إن سبورت سيئة أمس، وقد لفت مذيعوها ومحللوها أنظار الجميع بصراخهم وفرحهم وسعادتهم وشماتتهم، بل وصفاقتهم أيضاً دون ان يحتسبوا لمشاعر واحاسيس ملايين المكلومين. ودون ان يفكروا أن ثمة جمهوراً واسعاً أصيب أمس، وإن ملايين محبة فجعت ليلة أمس، وقد كان المفروض - على الأقل - الظهور بالمظهر المحايد، ولا أقول المظهر الحزين. إن قناة رياضية لديها ملايين المشتركين الذين يحبون نادي برشلونة، ومثلهم يحبون ريال مدريد، وأقل منهم يحبون مانشستر يونايتد، وبقية الأندية الأخرى، يفترض بها ان تحترم مشاعر جماهير هذه الأندية، لا أن يدخل مذيعوها يتراقصون كالقرود أمام جمهور مفجوع بخسارة مذلة لفريقه. أتذكر إني كنت في البرازيل عام 2014، وكان معي وقتها الزميل الإعلامي الرياضي الكبير حسام حسن، وإبني، الذي كان يحب منتخب ألمانيا حباً جما، وكان يحمل معه علم ألمانيا، وحين انتهت مباراة شبه النهائي لكأس العالم بفوز ألمانيا على البرازيل بسبعة أهداف مقابل هدف واحد، كان إبني سعيداً جداً، لكن فرحه وسعادته توقفتا، بل وطوى العلم الألماني ووضعه في حقيبته الصغيرة عندما سجل الألمان هدفهم السابع، وحين سألته عن سبب ذلك، قال لي: ( البرازيل فريق عظيم بابا، ولا يستحقون مثل هذه الخسارة المذلة)! لقد كان هذا الشعور الطيب لفتى شاب، أراد أن يبدي احترامه للجمهور البرازيلي المكسور، وهو يراه يبكي وينهار في الشوارع وجعاً وحزناً على هذه الخسارة المذلة، فلماذا لا تحترم قنوات ناصر الخليفي مشاعر عشرات الملايين من عشاق برشلونة، ولماذا يدخل مذيعوها ومحللوها يتراقصون كالقرود ؟ كان الله في عون النجم محمد أبو تريكة، الذي كان لوحده في عرس الواوية أمس موجوعاً لخسارة وإهانة فريق بحجم فريق برشلونة !
*
اضافة التعليق