بغداد- العراق اليوم:
يبدأ التأريخ لأي سياسي او أي شاغل موقع رسمي رفيع في الدولة، لا من حيث تبوأه السلطة أو وصوله للمنصب السياسي أو الأمني، ابداً، بل أننا نملك شهوداً وشواهد على صحة ما نقول، فكثير من السياسيين والمسؤولين ظهروا على مسرح الحياة العامة واختفوا، دون ان يستطيعوا كتابة اسمائهم، او أن يحفظوا أدوارهم في ذمة التاريخ، لكننا نعتقد ان بداية ميلاد اي سياسي او مسؤول رفيع، هي المفترقات العظيمة والأحداث الجسام، فهذه المحطات الحاسمة، والمنعطفات الخطيرة؛ سيكون لها الأثر البالغ في تحديد ملامح تلك الشخصيات وبناء صورة مجتمعية عنها تترسخ لدى الرأي العام، ومن هنا ثمة من يدخلون بوابة التاريخ من محطة الشرف والاجلال والتقدير حين يصطفون مع الشعوب، ويؤمنون بإحقية الشارع، ومنهم للأسف يذهبون الى منحدرات واطئة فيكتبون اسماءهم على حائط اللعنة الدائمة!. لكن شخصيتنا الوطنية هذه المرة، هو وطني عراقي مخلص، عرفناه في محطات حياته ابياً ومهنياً، ومواظباً في كل محطات حياته العملية المهنية التي بدأها في سلك الشرطة الوطنية، متدرجاُ باستحقاق وجدارة، رائده في عمله نزاهة فائقة والمعية تليق بضباط فرسان، يحافظون على صفحات بيضاء ناصعة في مسيرتهم في خدمةِ وطنهم دون ان ينتظروا مكافأة او مجازاة من أحد. هكذا عرفنا الفريق ياسين الياسري، العبقري المتخصص في مجالات الأحوال المدنية والهوية الشخصية والجنسية العامة، والذي يعد واحداً من أفضل الخبرات الإحترافية في الوطن العربي. لقد اثبت هذا الرجل الوقور، المعروف بشدة الانضباط، وصاحب الملامح الوداعة، انه كفء لكل محطة يتدرج لها وظيفياً، حتى استبشرنا كمراقبين بقدومه وزيراً للداخلية العراقية كخير خلف لخير سلف، لما عرفنا عنه من ادب جم، ووطنية لا يعلى عليها، وفوق هذا كله مهنية صارمة؛ لاينفذ لها الانحياز ولا الولاءات الجانبية من أي منفذ كان. وللحق فإن سيرة الرجل بكل محطاته لا تخيب المتفائلين، بل تزيد الجميع تفاؤلاً، ونحن نرى ان الياسري يضع خطواته الإصلاحية بقدرة وثقة، وينفذ برنامجاً وطنياً مدروساً لاعادة بناء مؤسسة الأمن العراقية، واعادة تعريفها شعبياً من كونها مؤسسة بوليسية بحتة، الى مؤسسة وطنية خدمية؛ تقدم مختلف الخدمات وتسهر على خدمة الناس بلا تفرقة او انحياز. ولعل الاصلاحات الكبيرة التي بدأها الوزير، في قطاعات المرور والنجدة والامن المجتمعي والجوازات والبطاقة الوطنية، والتأهيل المستمر لبنى الداخلية الى آخر هذه الإصلاحات، بحاجة الى ان نفرد لها حلقات كاملة، سيأتي دورها قريباً ان شاء الله. لكننا، وضعنا ايدينا على قلوبنا مع حركة الاحتجاجات الشبابية السلمية في تشرين الأول الماضي، لا لعدم ثقتنا بالياسري- لا سمح الله-، لكننا كنا نرى ان المفترق العظيم قد بدأ، وان لحظة دخول التاريخ قد بدأت مبكرة امام الياسري ومن يزامله، فكيف سيكون الأمر، في لحظة الافتراق العظيم بين الوطنية وما تقتضيه، وبين من يريد ان يقوض الاساسات ويصادر الحراكات دون تقديم حلول جذرية. لكن الرجل لم يتأخر عن الأفصاح عن هويته الوطنية، حين ظهر في ساحات التحرير بين ابنائه الشباب حاملاً راية العراق، بوجه بشوش، وقلب مطمئن، ناقلا ً لكل من يتابع الحدث العراقي، الصورة التي طالما حلم بها كل عراقي، في ان يرى وزيراً وطنياً يقف معه في احتجاجه على بنية الفساد ورثاثة الواقع الذي ساهمت به اخطاء وخطايا البعث المجرم وما تلاه للأسف. نعم فقد وقف الياسري منذ اول ايام التظاهرات موقفاً ادخله التأريخ، حينما حول المؤسسات الشرطوية الى مؤسسات معزولة السلاح بوجه المتظاهرين، بل وقف هو ومقاتلوه حائط صد عن المتظاهرين من جهات جاهلة او مأزومة تحاول انهاء الاحتجاج السلمي، وبذا يكون الوزير قد سجل نجاحه الشخصي، والوطني والمهني والأخلاقي بقوة وثبات، ولا يزال موقفه واحداً في حماية حق التظاهر والاحتجاج السلمي، وتقديم الغالي والنفيس في سبيل ان ينال العراقيون استحقاقهم الطبيعي في حياة كريمة ووطن مستقل وآمن. تحية للياسري ولرجاله الشجعان ابطال الداخلية، ولنا معه ومعهم حكاية نصر اخرى، فأنتظرونا..
*
اضافة التعليق