بغداد- العراق اليوم:
دون تدخل ديبلوماسي دولي، سينفذ مخزون المياه في الشرق الأوسط، ولن تكون هذه المنطقة الوحيدة التي ستواجه هذا المصير، حسب كون هالينان، صحفي مستقل وكاتب عمود في مجلة “فورين بوليسي”. ويستهل هالينان مقاله بالإشارة إلى معركة دارت قبل 4.500 عام بين مدينتين قديمتين (لاغاش وأوما) عند موقع التقاء نهري دجلة والفرات في العراق. وبسبب نزاع على المياه، قتل زعيم لاغاش 60 جندياً من جيش أوما. وهكذا مر أكثر من أربعة آلاف عام منذ تحارب جيشان بسبب محاولة دولة ما سرقة موارد مائية من دولة أخرى. ولكن فيما تغيرت أدوات القتال والحروب، بقيت المعادلة على حالها: من يسيطر على الأنهار يسيطر على الأرض”. وبدأت تلك الأنهار تجف، ويرجع ذلك، جزئياً لفرط الاستخدام والهدر. كما يعود السبب لتغير المناخ الذي عاقب المنطقة عبر تعاقب سنوات الجفاف. ويلفت كاتب المقال إلى خلافات شديدة بين العراق وتركيا بشأن نهري دجلة والفرات. كما تشهد علاقات مصر مع السودان وإثيوبيا توتراً بسبب مياه نهر النيل. ويتهم الأردن والفلسطينيون إسرائيل بسرقة مياه نهر الأردن لري صحراء النقب، واغتصاب معظم طبقات المياه الجوفية الثلاث التي تقع في جوف الضفة الغربية. وحسب أقمار صناعية تراقب المناخ، يفقد حوض نهر دجلة – الفرات، والذي يضم تركيا وسوريا والعراق وغرب إيران، مياهه بسرعة أكبر من أية منطقة أخرى في العالم، باستثناء شمال الهند. وبرأي الكاتب، ليست مشاكل المياه في الشرق الأوسط فريدة من نوعها – وخاصة، في شبه القارة الهندية، والتي تعاني من نقص المياه. كما تعاني أستراليا ومعظم جنوب أفريقيا من جفاف شديد. وحتى أوروبا تشهد نقصاً في منسوب بعض أنهارها لدرجة تعيق حركة الملاحة. لكن الشرق الأوسط تأثر بشكل خاص. وحسب مؤشر نقص المياه، من بين 37 بلداً في العالم يواجهون “نقصاً حاداً في المياه”، 15 منها في الشرق الأوسط، وترد أسماء قطر والكويت والبحرين والسعودية على رأس قائمة تلك البلدان. وتكمن المشكلة بالنسبة إلى سوريا والعراق في هوس تركيا ببناء السدود. ومنذ عام 1975، خفضت السدود التركية نسبة تدفق المياه إلى سوريا بنسبة 40%، وإلى العراق بنسبة 80%. وحسب الاتحاد العراقي للجمعيات الزراعية، قد تحرم 50% من الأراضي الزراعية في العراق من المياه، ما يقضي على محاصيل 124 مليون فدان. كذلك، بنى كل من إيران وسوريا سدوداً قللت من تدفق أنهار تغذي دجلة والفرات، ما أدى لتسلل مياه مالحة من الخليج إلى شط العرب حيث يلتقي النهران. ودمر الملح منطقة زراعية غنية في جنوب العراق، وقضى على مزارع واسعة لأشجار النخيل التي اشتهر بها العراق. وقبل خمسين عاماً، بنت إسرائيل القناة الوطنية لنقل المياه فحولت مياه بحيرة طبرية التي يغذيها نهر الأردن. وقد أدى ذلك لتحويل مجرى نهر الأردن نحو بحيرة طبرية إلى جدول طيني، تمنع إسرائيل الفلسطينيين من استخدامه. وفاقمت سدود سورية وأردنية بنيت على روافد النهر من المشكلة، ما قلل من تدفق المياه إلى الأردن بنسبة 90%. وحسب البنك الدولي، تأخذ إسرائيل نسبة 87% من المياه الجوفية للضفة الغربية، تاركة للفلسطينيين نسبة 13% فقط. وكانت النتيجة أن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يحصلون على 300 ليتر من المياه يومياً، بينما يحصل الفلسطينيون على 75 ليتراً فقط. ويشير معيار منظمة الصحة العالمية لحاجة كل فرد لـ 100 ليتر من الماء يومياً. وحسب كاتب المقال، تلوح في الأفق نزاعات حول حوض نهر النيل الذي يصل طوله إلى 4184 ميلاً، وهو الأطول في العالم، ويمر عبر 10 دول أفريقية. ويعتبر النيل شريان حياة مصر، ويوفر المياه والتربة الخصبة للزراعة في البلاد. ولكن مزيجاً من الجفاف والسدود قلل من تدفق مياه النيل خلال العقود الأخيرة. وتبني إثيوبيا حالياً سداً ضخماً على النيل الأزرق لتوليد الطاقة والري. وينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا في مرتفعات إثيوبيا. ويتشكل نيل مصر بعد التقاء نهري النيل الأزرق والنيل الأبيض – ينبعان من بحيرة فكتوريا في أوغندا، في العاصمة السودانية الخرطوم. ويختم الكاتب مقاله بالدعوة لوضع معاهدة دولية تنص على وجوب تقاسم الثروة المائية وحل النزاعات المتعلقة بها، وخاصة لأنه، وفقاً للأمم المتحدة، بحلول 2030، لن يستطيع 4 من أصل 10 أشخاص على مستوى العالم الحصول على حاجتهم من المياه.
*
اضافة التعليق