بغداد- العراق اليوم:
أحمد عبد السادة
لا شك أن المتابع لوقائع ومجريات المشهد السياسي العراقي وخفاياه المعلنة والمفضوحة والمتسربة بسرعة البرق، يعرف جيداً بأن زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم لم يكن في نيته إطلاقاً أن يكون في خندق المعارضة السياسية، بل لم يكن يريد ذلك أصلاً بسبب إدمانه على عسل المناصب ومنافعه، لكن سوء تقديراته ورهاناته الخاســـرة هي التي قادته مجبراً إلى تبني خيار المعارضة، بعد أن خسر كل الآمال بالحصول على بعض المناصب وخصوصاً منصب أمانة بغداد، أي بمعنى أن الحكيم أصبح معارضاً فجأة وبدأ يلـــعن "المحاصصة" بحماس حين فشـــل فقط بالحصول على "حصة"!!. بدأت قصة الخســـارة والفشـــل السياسي للحكيم في فندق بابل تحديداً، حين اجتمع مع بعض القادة السياسيين - كالعبادي ومقتدى الصدر وإياد علاوي - ليعلنوا عن إنشاء "تحالف الإصلاح والإعمار" بهدف تشكيل الكتلة الأكبر، ولكن بعد فشـــل أهداف اجتماع فندق بابل وفشـــل المجتمعين بتشكيل الكتلة الأكبر وبعد شعور المجتمعين بأن التطورات السياسية جعلتهم خارج المعادلة السياسية في ظل نجاح "تحالف البناء" بتشكيل الكتلة الأكبر، لجأ الصدر إلى التصعيد وتأزيم الموقف وتفجيــــر الوضع العام من خلال دفع أتباعه للنزول للشارع من أجل الضغط على الآخرين لدفعهم لتقديم تنازلات له تضمن له الحصول على مكاسب سياسية والمشاركة في الحكومة، وجميعنا يتذكر التفاصيل الخطيـــرة لاحتجاجات البصرة آنذاك وانحرافها عن مسارها نحو الاعتـــداء على مقرات الحشد والحـــرق والتخريـــب والفوضى التي كادت أن تؤدي إلى حــــرب أهلية. ونجح الصدر فعلاً بالضغط وحصل على المناصب التي أرادها ومرر كل وزرائه وكل مرشحيه للمناصب الأخرى من تحت الطاولة، رغم أنه في العلن كان يعلن بأنه لا دخل له بترشيح هؤلاء الوزراء والمسؤولين وبأنه خول رئيس الوزراء عادل عبد المهدي باختيار كابينته الوزارية ومنحه الحرية المطلقة!!. المفارقة أن الصدر أقنع أو ربما أجبر حلفاءه في تحالف الإصلاح والإعمار - ومن ضمنهم عمار الحكيم - على عدم التدخل بتشكيل الحكومة وإيكال أمر تشكيلها لعادل عبد المهدي فقط تحت شعار (كلا المحاصصة)!!، رغم أن الجميع يعرف بأن الصدر فرض أسماء وزرائه الذين اختارهم على عبد المهدي. كان عمار الحكيم - ومثله كان العبادي بالضبط - ينظر إلى حليفه الصدر وهو يقطف المناصب تلو الأخرى، لكنه كان مضطراً لتجرع الســـم والسكوت لأنه منذ البداية وضع مصيره السياسي تحت تصرف الصدر وارتضى أن يكون ألعوبة بيده وبيدقاً من بيادقه التي يحركها كيفما يشاء، بل ارتضى لنفسه الإهــــانة حين وقف كأي مراهق سياسي مبتدئ خلف أحمد الصدر من أجل الحصول على مبتغاه. غير أن صمت الحكيم لم يدم طويلاً في ظل شعوره بالاستغفـــال والخســـارة والإفلاس السياسي والإبعاد الحكومي، وسرعان ما انفجرت غدة المرارة السامـــة بداخله على شكل مطالبات صريحة وواضحة ومحمومة بالحصول على منصب أمين بغداد ومنحه لرجله المفضل عبطان، لكنه فشـــل أيضاً بتحقيق هذا المطلب الذي لم يدعمه فيه حتى حليفه الصدر وتحالفه "سائرون"، فتحولت لاحقاً مطالباته بهذا المنصب إلى غمغمات و"دردمات" شاكية ومتذمرة ومنزعجة، ثم تحولت إلى "توسلات" برئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري نصار الربيعي لدعم مطلبه هذا كما تشير بعض التسريبات المؤكدة. وعندما شعر الحكيم بأن مطلبه هذا صعب التحقق وبأنه لا يوجد أي شخص يصغي إليه أعلن نفسه معارضاً وبدأ يلعن المحاصصة ومن يطالب بها وبدأ بشيطنـــة خصومه وتبشيعهم!!، وعلى المنوال نفسه عزف فريقه السياسي وكادر قناته "الفرات" التي استعارت فجأة أنيـــاب ومخـــالب قناة "الشرقية"!!. ثم أن الحكيم قدم صورة مضحكة وكاريكاتيرية لمعارضته لأنه الآن رئيس تحالف مشارك في الحكومة، فكيف يمكن أن يرأس هذا التحالف الحكومي ويكون جزءاً منه ويعلن في الوقت نفسه معارضته للحكومة؟!!، ولهذا لا بد أن ينسحب من رئاسة "تحالف الإصلاح والإعمار" إذا كان جاداً بمعارضته فعلاً!!. إن عمار الحكيم لم يصبح "معارضاً" لأنه ضد المحاصصة كما يدعي حالياً، بل لأنه لم يتم إشراكه في المحاصصة ولم يتم منحه "الحصة" التي أرادها وتوسل بالآخرين من أجل الحصول عليها!!.
*
اضافة التعليق