بغداد- العراق اليوم: بقلم/ سليم الحسني
ما حدث داخل التيار الصدري، يلخص الحالة العراقية، ويضعنا أمام مشهدها الحاكم بأدق ملامحه وخطوطه. فالصوت المتحمس الذي يدافع عن المقدس هو نفسه يعلو ليصفه بالمدنّس، والصالح صار طالحاً بانتقالة ضوئية خاطفة.
الجموع جاهزة حاضرة، تشعل النيران بنفس الهمّة التي تطفئ بها الحريق، فهي تحمل عود الثقاب ودلو الماء، وفي الحالتين تهتف نفس الهتاف، وفي الحالتين هي محرومة فقيرة، ولا يفكر أي فرد من أفرادها:
ـ لماذا أشعلتُ النار، ولماذا اطفأتها؟ ـ لماذا أطيع نفس الشخص في موقفين متضادين؟ ـ لماذا أكون مع هذا الشخص ضد الثاني الذي يشبهه تماماً في السرقة؟
وتنتهي الأزمة، فتعود الأمور الى سابق عهدها، فالعداء الذي تفجر بلحظة، تحول الى عناق بلحظة ثانية. ويهتف هؤلاء المساكين فرحين بالصلح، من دون أن يسأل أي واحد منهم:
ـ أين ذهب هتافي الغاضب طوال الليل؟ ـ لقد اختلفا على السرقة واتهم أحدهما الآخر، ثم عادا فتراضيا، فمن هو السارق؟ وأين ذهبت المسروقات؟ ـ هل أنا مع الحق أم أنا تابع للأشخاص، أدور حولهم معصوب العينين؟
لا أحد يسأل نفسه مثل هذه الأسئلة، ليس لعجز في صناعة السؤال، إنما خوفاً من الجواب، لأن معنى ذلك، أن عليه أن يتحرر من قيوده، وأن عليه أن يتحرك من جموده، وأن عليه أن يُفكّر ويقرر، وهذا ما لا يريده.
هذا الحال موجود في البرلمان، وفي الحكومة وفي بقية الأحزاب والكتل، والثابت الواقف بقوة هو الفساد وحده، والضاحكون هم الفاسدون، فيما يركض هؤلاء المساكين وأمثالهم يهتفون، هتافات لا يسمعونها بآذانهم، ولا يعرفون معانيها.
*
اضافة التعليق