بغداد- العراق اليوم: رمضان ودرهم جدي!
عماد آلعصاد
أتذكر تماما كيف كان جدي يغريني بالصوم ويحببه لي! لم يحدثني عن الثواب والعقاب، ولا عن الجنة والنار، فربما كان يدرك ان طفلاً بعمري يستميله الاغراء اكثر مما يخيفه الترهيب . جدي كان شخصية مرموقة في محيطه العشائري، فهو الحاج عبدالحسين الحاج شريف العصاد شيخ مشايخ عشيرة عبادة، وكان مهاباً، يحمل كاريزما تجعل الحديث معه يحتاج الى كسر الحواجز ، والامر بالنسبة لصبي مثلي يحتاج الى التغلب على الخوف اولاً ، والتسلل الى الشيخ الوقور عبر نوافذه العاطفية وهذا ماكنت افعله، واتذكره كيف كان يرتل القران في رمضان وهو يتوسط مضيف القصب بصوته الجهوري وبطريقته الفريدة. ذات يوم قال لي جدي بالحرف : اذا صمت هذا العام سأمنحك عن كل يوم درهم، ومن اجل الدرهم قررت ان اصوم، وكان عمري انذاك احد عشر عاماً! منطقة عبادة كانت تقع على ضفاف اهوار الحمار، زحف اليها الجفاف والتصحر حينا من الدهر ، ورغم ان موقعنا تحول فيمابعد يشبه اي جزيرة سياحية ولكن حينما يكون الهواء (شرجي) تضيق به انفاسنا ،فاني لم أن اكمل الشهرصائما استجير من الرمضاء بالنار ! كنت اتحامل على نفسي للظفر بدرهم جدي ، وفعلا صمت عشرين يوماً بالتمام والكمال وحصلت على عشرين درهما!! قلت لجدي رحمه الله (يمكن بعد مااگدر اكمل )فقال الحجي (هذا يكفي ارتاح بعد ! وفي العام اللاحق بدأت اعد العدة من اجل الصيام ولكن هذه المره لم انو استلام اي مبلغ، بل كانت هدفي هو التقرب الى لله تعالى! وفعلاً جاء شهر رمضان ،وكنت حينها طالباً في السادس الابتدائي في مدرسة الاحرار الابتدائية التي تبعد كيلومترين عن دارنا . درهم جدي فتح لي باب التقرب الى الله، والصبر والمطاولة والتحمل حتى بت اتساءل باستمرار متى ياتي شهر رمضان وانا في غاية الاستعداد النفسي والروحي لاستقباله! مائدة افطارنا كانت غنية بما لذ وطاب، واجمل مافيها (الجلي) الذي لازلت اتحسس طعمه واشعر بلذته ! درهم جدي كان بقدر مافيه من اغراء لصبي مثلي زرع في وجداني نزعة التحدي وهذه النزعة صلبت عودي وعمقت الايمان في داخلي بانني قادر ان اصوم، وهذا الايمان جعلني قريباً من الله بعيداً عن الوسوس والآثار! اشكر الله الذي اهداني جداً كجدي ، واشكره لأن اتم علي نعمته بان جعلني صائماً منذ نعومة اظفاري.
*
اضافة التعليق