بغداد- العراق اليوم:
عبرت واشنطن عن غضبها وعدم ارتياحها من الجولة التي قام بها عادل عبد المهدي على عدد من الدول الاوروبية، قبل ان يزور واشنطن بناء على دعوة رسمية تلقاها مبكرا من البيت الابيض، وكذلك من الاتفاق الضخم الذي ابرم بين الحكومة العراقية وشركة "سيمنز" الالمانية لاصلاح وتطوير منظومة الطاقة الكهربائية في العراق. وتضيف المصادر الخاصة، قائلة، ان الغضب الاميركي لم يقتصر على ذلك، بل ان جزءا غير قليل منه، كان مردّه تنامي العلاقات الايجابية بين بغداد وطهران، وعدم استعداد الحكومة العراقية الالتزام بالعقوبات الاميركية أحادية الجانب، المفروضة على الجمهورية الاسلامية الايرانية. ومنذ ايامها الاولى، حرصت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، على انتهاج سياسة خارجية متوازنة، تقوم على اساس النأي عن الاصطفافات والمحاور الاقليمية، وجعل المصالح الوطنية العراقية أولوية أساسية، والسعي الى ان يكون العراق نقطة التقاء وتفاهم بين الفرقاء، بدل ان يبقى ساحة للصراع وتصفية الحسابات فيما بينهم. الإشارات والمؤشرات الاولية، توحي بأن عبد المهدي يسير بالاتجاه الصحيح، وان كانت النتائج والمعطيات الايجابية المتحققة بطيئة، ولعل الجولات الاقليمية التي قام بها لمختلف دول الجوار والمحيط، وكذلك الجولة الدولية الاخيرة، عكست في جانب كبير منها، طبيعة المنهج الذي يتحرك على ضوئه عبد المهدي، وفي كل لقاءاته ومباحثاته التي أجراها في عمّان وطهران والقاهرة والرياض وبرلين وباريس، شدد عبد المهدي على أن الحكومة العراقية تضع في مقدمة اولوياتها الانفتاح على دول الجوار، وإقامة شبكة علاقات تخدم الامن والاستقرار والتنمية لشعوب المنطقة والعالم، وقد تم ترجمة هذه الرؤية بصورة عملية بصيغة اتفاقيات وتفاهمات سياسية وأمنية واقتصادية بين بغداد والعواصم الاخرى، فضلا عن حلحلة قسم كبير من القضايا الخلافية العالقة، تمهيدا لحلها بالكامل. واذا كانت الامور تتجه بهذا المسار العقلاني والمتوازن والمثمر والصحيح، فلماذا غضبت واستاءت واشنطن، مثلما نقلت المصادر الخاصة المقربة من مكتب رئيس الوزراء العراقي؟. بحسب ما يقال في الكواليس وما يتداول في المحافل السياسية، وعبر وسائل الاعلام، يتأتى الغضب الاميركي حيال عبد المهدي من تقاطع وتباين الرؤى والتصورات والاولويات. إقليميا، كانت واشنطن تأمل في ان تبتعد بغداد عن طهران، او في أدنى التقديرات، ان لا تقترب منها أكثر، وهذا يتمثل في الالتزام بالعقوبات الاقتصادية، وعدم مساعدتها ـ اي طهران ـ في توفير منافذ تساهم في التخفيف من اثر العقوبات عليها، وكذلك تحجيم القوى السياسية والفصائل المسلحة القريبة منها، والتوجه لحل وتفكيك الحشد الشعبي، عبر دمجه بشكل او باخر ضمن المؤسسات الامنية والعسكرية الرسمية. وفي مقابل الابتعاد عن طهران، كانت واشنطن تدفع بغداد الى الانفتاح على بعض العواصم العربية، وتحديدا الرياض، والاتجاه الى اغلاق صفحات الماضي، وكان ذلك واضحا من طبيعة ردود الافعال الاميركية حول زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني للعراق في الحادي عشر من شهر آذار/ مارس الماضي، وردود الافعال المختلفة بشأن زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي للسعودية في السابع عشر من شهر نيسان/ أبريل الماضي. بيد ان حكومة عبد المهدي لم تتجاوب وتتفاعل مع الرؤية الاميركية، وعبرت في اكثر من مناسبة عن حرصها الشديد على تعزيز العلاقات مع مختلف الاطراف، ومعالجة الاشكاليات والخلافات القائمة بهدوء ودبلوماسية، بما يمكن ان يساهم بالتالي في تخفيف حدة التوترات بين بعض من دول وحكومات المنطقة. أما على الصعيد الدولي، فأن غضب واستياء واشنطن، ارتبط اساسا بنقطتين، الاولى، هي ان عبد المهدي بدلا من ان يبدأ جولاته الدولية من واشنطن، بأعتبار ان هناك دعوة رسمية موجهة له من البيت الابيض، فأنه ابتدأها ببرلين، ومعروف ان هناك حساسيات كبيرة بين الولايات المتحدة الاميركية والاطراف الرئيسية في منظومة الاتحاد الاوربي، لاسيما المانيا وفرنسا. والنقطة الاخرى، هي ان عبد المهدي، الذي ذهب الى برلين وباريس بوفد كبير جدا، ابرم صفقة غير مسبوقة مع شركة "سيمنز" الالمانية المتخصصة في مجال الطاقة، الامر الذي فهم من قبل الاميركان على انه خطوة لسحب يد شركة "جنرال اليكتريك" الاميركية من العراق، او في افضل الاحوال، تحجيم نفوذها فيه، بعد تجربة مريرة وسيئة جدا، حيث اكدت اوساط مقربة من وزارة الكهرباء العراقية في اوقات سابقة، "أن شركة جنرال اليكتريك مدعومة من جميع وزراء الكهرباء الذين تسلّموا الوزارة من عام 2003، وهي مسؤولة عن جميع العقود التي توقّعها وزارة الكهرباء مع الشركات العالمية، بصورة خفية ولا يمر اي عقد صغير او كبير في مجال الطاقة الا عن طريقها وبموافقتها، وان هذه الشركة منعت بناء محطات كهربائية جديدة في العراق لأسباب غير معروفة منذ سقوط النظام البائد". وفي حقيقة الامر، تعمل واشنطن جاهدة على ان تكون لها اليد الطولى في العراق بكل المجالات، وحتى من يريد ان يأتي من اصدقائها وحلفائها للحضور في اي ميدان، لابد ان يكون من خلال وبموافقتها. ومثلما تعمل واشنطن على ابعاد وتحجيم ايران عن العراق، فأنها تتبع اسلوبا مماثلا حيال منظومة الدول الاوربية وروسيا والصين واليابان، ولكن بأدوات مختلفة، ومسارات مغايرة. ولا شك ان الخطأ الكبير الذي يمكن ان يقع فيه العراق، بصرف النظر عن اسم وهوية رئيس الوزراء الذي يتولى زمام الامور، هو الركون للاملاءات والضغوط الاميركية، لان ذلك يفضي الى العزلة والانغلاق والتأزم، والمزيد من المشاكل والازمات، ويكفينا هنا للتدليل على ذلك، التدقيق في تجربة شركة "جنرال اليكترك" في مجال الطاقة، وفي تجربة شركة "بلاك ووتر" في مجال الامن، وفي تجربة السفير "بول بريمر" في ادارة شؤون العراق، بل وفي مجمل تجربة الاحتلال الاميركي بعد الاطاحة بنظام صدام ربيع عام 2003.
*
اضافة التعليق