بغداد- العراق اليوم: يبدو أن ملف وزارة النفط، سيُسيل حبرًا كثيرًا، ويبدو أن الإجراءات المتتالية في هذه الوزارةِ، يراد منها الوصول الى نقطة نهائية وضرورية وجوهرية، تتمثل بإنهاء حالة العمل المؤسسي القائمة، وتقويض اركان التخصص المبني على رؤية هيكلية تراكمية، والوصول الى مرحلة قيادة الرجل الواحد لهذا القطاع، وما عملية التغييرات والاقصاءات والتبديلات التي تجري الا جزء من ظاهر جبل السيطرة الغاطس خلف القرارات الغريبة التي سبق وأن أحدثت جدلاً في الأوساط السياسية والنفطية العراقية وحتى الدولية. وأذا كنا إزاء تغييرات في الكوادر المتقدمة في الوزارة، وتغييرات جوهرية قد طالت قيادة هذه المؤسسة، فثمة سؤال بارز وملح يجب أن تتم الإجابة عنه بوضوح، وهو: على أي أساس تمت هذه العملية، وما هي التقييمات، والمراجعات التي جاءت على أساسها، وهل يمكن خلال هذه الفترة الوجيزة لوزير لم يمضِ على استيزاره سوى أيام معدوات، أن يقدم على هد أركان وزارية، وإعادة بنائها، ووفق أي رؤية، أو سند موضوعي؟! واذا كانت الإجابة بأن التغيير الذي حدث كان وفق رؤية مسبقة لم تتقدمها مراجعة ولا تقييم ولا دراسة ولا تحليل للواقع فنحن – بصراحة – إزاء كارثة اقتصادية وطنية حقيقية، أما اذا كان التغيير من إجل التغيير فقط، فالكارثة ستكون أكبر واعظم، لأنه تغيير مزاجي لم يخضع لأمور دقيقة في وزارة تترقبها وتتابعها مؤسسات العالم، وتتلقف أخبارها وانشطتها اقتصادات دول كبرى، اذ أن التغييرات والقرارات النفطية، محط انظار العالم كله، ولعل الوكالة الشهيرة " رويترز" تضع أولوية أخبار النفط العالمي فوق كل اعتبار، بل وتحجز لها مكاناً في رأس نشراتها العامة انطلاقًا من أن النفط أهم من السياسة والفنون ووو...الخ، فهل يعقل أن يتم تغيير قيادات نفطية بجرة قلم في بلد نفطي ستراتيجي كالعراق!! ولعل المعلومات والتسريبات التي حصلنا عليها، والتي سترد اثناء تقريرنا هذا، ستكشف جزءًا هامًا من الطريقة العجيبة التي تدار بها الأمور الان في هذه المؤسسة الخطيرة، وكيف أن القرارات التي تتخذ ذات طابع شخصي في الدرجة الأولى، أو أن ورائها ابعاداً ودوافع يراد لها ان تمر، بعد إضفاء طابع المؤسسية والشرعية، فقد كشفت مصادر مطلعة، أن " الوزير الغضبان" قام بتعيين أحد موظفي الدائرة الاقتصادية، والذي عمل في مكتب رئيس الدائرة سابقًا ويدعى هشام شعلان في هذا المنصب، ضمن خطة محكمة اعدت لغرض تمرير اجندة وخطط يريد الوزير تنفيذها، بعد أن اقصي مدير هذه الدائرة، والذي يشك في ولائه الشخصي، بل ان الوزير الغضبان يخشى أن لا يكون متعاوناً معه في تنفيذ مخططاته الشخصية، أو ربما حسبه على الوزير السابق جبار اللعيبي، أو أي اعتبار أخر يعرفه الوزير، لذا فأن اختيار موظف لا يزال في تسلسله الوظيفي الأولي، سيمنح الوزير القدرة على السيطرة عليه، ويتيح له اتخاذ قرارات هامة بدون مناقشة او ازعاج لا سيما تلك القرارات المتعلقة بانهاء أو رفض تعاقدات وزارية جارية او ستجري مع شركات رصينة هامة، قد لاتحظى ب "هوى" الوزير، أو الذين يقفون خلفه، فالرجل لايستطيع أن ينهي العقود معها بدون ان يضع مبررات فنية تأتي من غيره، وتحديداً من الدوائر الفنية المختصة، لذلك لجأ الى أسلوب " شرعنة" هذه القرارات واخراجها من باب الشروط والتوصيفات الفنية، وليس من باب الوزير الشخصي أو القصدي، لذا يتوجب عليه ايجاد من ينفذ ويوافق على قراراته الكارثية دون ان يرفع يده للإستئذان على طرح أي سؤال او استفهام، فكان من أولى خطوات " الشرعنة" هذه، تعيين شخص "إمعة" يُمضي له على بياض، وان سيكون جاهزًا، لانهاء كل التعاقدات، السابقة واللاحقة مع تبريرات فنية جاهزة ايضاً، ومن ثم ينتهي الأمر الى أن تخسر الوزارة تعاقدات تكلفها ملايين الدولارات، والمجيء بشركات اخرى، وتعاقدات نفطية اخرى يتم عقدها في عمان، أو اربيل، أو بكين، أو حتى في تل ابيب إن تطلب الامر ذلك، ولا يهمه القيود والشروط والتعهدات الموجودة في هذه العقود، والتي تلزمها بتعويض المتضرر في حالة الفسخ التعسفي الذي سيحدث". وتضيف المصادر، أن " تعيين هشام هذا يأتي كجزء من خطة " تأميم" مفاصل الوزارة، وجعلها في خانة " الموالاة " التامة، والخضوع المطلق للقرارات التي ستصدر من الوزير، ومن داعميه لاحقاً، لذا فأن الغضبان بدأ بتفصيل مقاسات المناصب على رجاله ، او الذين سيكونون رجاله". وأشارت المصادر، الى أن " الوزير يبحث عن تبريرات مستقبلية لقراراته التي ستتخذ، وسيوفر هولاء المعينون ومنهم مدير الدائرة الاقتصادية الجديد، ومدير الرقابة الداخلية الجديد حسن عناد الغطاء الفني، والمبررات الكافية لتطبيق القرارات، وسيكون في حل من أي مساءلة قانونية كانت أو نيابية، نظراً لوجود رأي اختصاص وفني، حيث يفترض القانون، وآلية اتخاذ القرار، لذا فأن هذا الالتفاف المهاري والقانوني، واضح المقاصد والمرامي وبين فيه النوايا، والتوجهات القادمة بشكل جلي". وتابعت المصادر، أن "هذه التعيينات الأخيرة جزء من عملية الترتيب القائمة في الوزارة، والتي ستعني أن الكادر المتقدم، سيكون جزءًا ظاهرًا في القرارات، الا أنه في الباطن سيكون مباركًا لقرارات الوزير شخصًا في عمل مخالف لتوجهات وقانون الوزارة الذي يفترض أن تكون مؤسسية، فيه المسؤوليات موزعة تضامناً، وحسب الاختصاصات، ولكن عملية الاستحواذ هذه خطيرة تذكرنا بعهد كتاب التقارير وعمليات المباركة والتأييد الاعمى للقرارات دون أي مناقشة في الزمن السابق". من جانب أخر ابدى خبراء نفطيون عراقيون، استغرابهم الشديد من عمليات الاستبدال والتغيير التي جرت للكادر المتقدم في وزارة النفط العراقية، والتي جاءت كأنها فقط من إجل التغيير، ودون أن تراعي المنجز الحقيقي لبعض القيادات المتقدمة، أو الكفاءة والخبرة، وأنتهت الى عملية تهميش واقصاء دون وجه حق. وقال الخبراء في بيان ورد لـ " العراق اليوم"، أن " القرارات الارتجالية والسريعة التي اتخذت تثير القلق وتدعو لمراقبة ما يجري في هذا القطاع المهم، ويجب أن تدرس بعناية، لاسيما وأنها أبعدت شخصيات قادرة، كمدير الاقتصادية في الوزارة علي معارج وهو شخصية نفطية مهمة جداً، ومختص في مجال عمله، الا انه اقصي بدون سبب معتبر، سوى ان الرجل عُين في زمن الخبير جبار اللعيبي، كما جرى ابعاد شخصيات نفطية كبيرة لذات السبب، الامر الذي يثير الحزن والتعجب لمستوى الفهم لقادة المؤسسات المهمة في العراق، فكيف يمكن أن نؤسس لدولة مستقرة، اذا كان جل تفكير أي وزير او مسؤول يأتي للمنصب، هو ابعاد العاملين معه لمجرد أن سلفه السابق قد عينهم في أماكنهم، كما أن بعض المبعدين أو المنقولين كانوا جزءًا اساسيًا من الوزارة، فلمَ شملتهم قرارات الابعاد والنقل". وأضاف البيان أن " سياسة النقل والابعاد لن تفضي مطلقًا الى استقرار الكادر الوظيفي، ولا تراكم الخبرات في القطاع النفطي، اذ أن أي وزير يتسنم منصبه يقوم بابعاد الكفاءات والخبرات الموجودة، بدعوى تعيينهم في الزمن الذي سبقه، فكيف نتصور شكل المؤسسات، اذا كانت هذه السياسة هي السائدة ؟ لذا، فأن وزارة النفط باعتبارها وزارة خبرات لا تتحمل هذه الارتجالية، ولا هذه الهزات التخبطية العنيفة في كادرها المتقدم. عليه، فأن القرارات يجب أن تراجع بشكل سريع وتعدل بشكل واضح". وتابع البيان أن " ما تسرب من تبرير للوزير الحالي في قرار ابعاد وكيل الوزارة لشؤون التوزيع، والتذرع بأنه أمضى 14 عاماً في موقعه، يثير أكثر من علامة استفهام وتعجب في واقع الحال، فهل امضاء العمر الوظيفي المستحق وازدياد الخبرة بات سبة أو تهمة، وهل يستحق من يمضي في وظيفته وقتاً طويلاً بتفان ومهنية، التكريم أم الابعاد والنقل، واذا كان الوزير يقيس الاعتبارات على السن والسنوات والعمر الوظيفي، فحري به ان يبعد نفسه اولاً، إذ كيف يبرر أن يتم استيزاره وهو الذي قارب عمره الثمانين عاماً، وامضى سنوات طوال في وزارة النفط من عهود النظام البائد وما تلاه، وتبوأ مناصب عديدة في حكومات ما بعد 2003، واذا طبقنا هذا المعيار، فأن الوزير ذاته لا يصلح لشغل منصبه الحالي مطلقاً، فكيف يقيس الغضبان اراءه وقراراته، وكيف يبرر هذه الحجة التي لا أساس ولا سند قانوني، فالمناصب التس يتولاها هولاء المبعدون مناصب فنية، لا سياسية خاضعة لمزاج انتخابي أو توافق سياسي يتم في عواصم معادية للعراق ".
*
اضافة التعليق