بغداد- العراق اليوم: تناقلت الوكالات خبراً نشرته جريدة العرب الامارتية، كما تحدث به مسؤولون سعوديون وعراقيون سراً وعلناً بعد زيارة الفياض الى الرياض، تحدثوا فيه عن موافقة الحكومة السعودية على تعييّن فالح الفياض وزيراً للداخلية، ولكن بضمانات وشروط، وقد وافق الفياض عليها، فماذا اشترطت السعودية، وماذا أرادت من ضمانات؟! والسؤال الذي يجب ان يطرح اولاً، هو ما علاقة الرياض بتعيين وزير داخلية العراق، ولماذا هذا الضعف، والشعور بالدونية والتفكير الواطئ، و الإحساس بالعجز، والاستلاب الذي تحس به، وتعيشه القوى السياسية بمختلف توجهاتها ومشاربها، وقبلها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي؟ وكيف يمكن تفسير هذا الانحناء التام امام دول اقليمية تبحث جهاراً نهارًا عن مصالحها وتوسيع نفوذها، وكيف سمحت قوى تدعي "شرف المقاومة" والممانعة بهذا الرضوخ، واستجداء الرضا، بل وتحول منصب وزير الداخلية الى "حصان طروادة" لتدخل منه السعودية بهذه القوة والتأثير، وتمد نفوذها السياسي بهذه الكيفية التي استدعت أن يتوسل بها مرشح لهذا المنصب الأمني الخطير، فيرد مسؤولوها علناً وعبر وسائل الاعلام عن منح هذا الشخص، أو ذاك ضوئها الأخضر للمرور !. ومن ثم كيف يمكن الاطمئنان الى أن السيد الفياض سيدير مؤسسة أمنية معنية بحياة 39 مليون عراقي بأمانة واستقلالية، وهو القادم لهذا المنصب بموافقة دول مجاورة، وكيف سيتعامل مع ملفات خطيرة كملفات الحدود، والنفوذ، وملفات أمنية ذات صبغة سياسية حساسة، في الوقت الذي اعطى فيه للسعودية ضمانات لم تكشف بعد، ولكنها لن تخرج حتماً عن دائرة تحصين المصالح السعودية، وتأمين عمل من يرتبطون بها وبمشروعها. ان هذا الحديث ذو شجون، وبحاجة الى وقفة تحليل طويلة حول الآليات والتكتيات التي تمارسها النخبة السياسية في عراق ما بعد 2003 ولغاية الآن، فهذه القوى لا تفكر الا بمنطق الترضيات والتنازلات الخارجية والحرص على كسب ود ورضا السفارات والدول المجاورة، قبل أي موافقات ورضا شعبي يمكن أن يكون بوابة للدخول، فالكثير من الوزراء مروا كما تقول المعلومات التي تكشف بعد استيزارهم عبر سفارات اجنية، ولم يفعل رئيس مجلس الوزراء - أياً كان - سوى أن ينتظر الضوء الاخضر لمرشح الوزارة، فأن عجزت السفارة عن منحه "فيزا سياسية" لدخول الكابينة الوزارية، اضطر هذا المرشح الى الذهاب لذات الدولة وعرض خدماتهِ عليها عن قرب ليحظى بالدعم كما في قضية الفياض الذي قدم ضمانات مكتوبة، أو شفاهية، كما تقول المصادر السعودية بتبجح! أي هزال هذا الذي يعيشه رئيس مجلس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي بعد أن جيء به بتوافق شاذ، وها هو يقود عربة بلا عجلات، فيما تمد القوى السياسية ومن خلفها دول، لفرملة هذه العربة متى شاءت، فيكتفي رئيس الوزراء برفع " الصبات " الكونكريتية من شارع الرشيد، فيما الكثير من "الصبات والكتل والمعرقلات التي تؤخر حكومته" بحاجة الى قرارات وترضيات خارجية يأتي بها المعنيون ليرفعوا عنهم الفيتو السياسي، فأي مسخرة تلك التي نعيش تفاصيلها الآن، وما هي ضرورات هذا الوضع المزري، لولا التكالب والتدافع ومحاولة الوصول الى المناصب مهما كانت التنازلات والضمانات!! ثم أن صح ما تناقلته وسائل الاعلام عن سبب هذه الزيارة "المفاجئة" للفياض الى المملكة السعودية، فأين الموقف الرسمي منها، وكيف سمح رئيس مجلس الوزراء بكل هذا التدخل الفج في عملية التشكيل الحكومي، وكيف يمكن أن نقرأ عجز السعودية عن التأثير على حليفها في لبنان بل وربيبها سعد الحريري في تشكيله الوزاري الأخير الذي اعلن متكملاً، فيما نشهد نمو وقوة حضورها في المشهد السياسي العراقي، وكيف وصل رئيس الوزراء الى هذا الوهن السياسي، الى الحد الذي يسمح لمرشح لمنصب وزاري أمني رفيع كهذا، بالتجوال في العواصم باحثاً عن رضاها ليمر الى المنصب، فيما لا يمر عبر بوابات القرار العراقي المفترض!! أمر عجيب، واسرار خطيرة تتكشف يوماً بعد أخر عن حالة الشلل السياسي التي يمر بها رئيس الوزراء تجاه استفحال القوى السياسية وتغول الكتل النيابية، ووضوح الموقف الخارجي، فيما يصر عبد المهدي على قبول هذه التدخلات والدفع بالأمور كيفما أتفقت، وخضوعه لهذه القوى والدول. واذا تركنا عبد المهدي وضعفه وعجزه الذي قد نبرره بأنه لا يملك كتلة سياسية أو نفوذ برلماني، مع قبح هذا العذر ووهن هذا التبرير، فلنا الحق بالتساؤل عن تحالف الفتح الذي رشحَ الفياض لهذا المنصب، ويصر منذ أِشهر على تمريره بأي ثمن كان، كيف لهذا التحالف " المقاوم"وصاحب المنهج الذي يتبنى القرار العراقي الداخلي، ورافع شعار الاستقلالية والوطنية كما يدعي في خطاباته وادبياته، أن يصل به الامر الى ان يسمح للفياض ليفاوض دولة ارهابية مثل السعودية التي بين العراق وبينها ما صنع الحداد، لغرض قبوله في منصب وزاري، وكيف سمح رئيس التحالف المجاهد هادي العامري الذي وضع فيتوهات عدة بوجه كفاءات وطنية، وخبرات ادارية ذات باع طويل في ادارة الملف الأمني، نعم كيف ارتضى العامري لنفسه أن يذهب الفياض مفاوضا "قلعة الوهابية" عن نفسه وعن تحالفه "المقاوم" ويوقع على ضمانات وشروط سعودية، لعل من بينها رأس الحشد الشعبي الذي تعده السعودية عدوها الأول في العراق، انه حقاً أمر محير، أن صح ما نشر، والاكثر اثارةً للحيرة، هذه الاستماتة على ترشيح الفياض لهذا المنصب على الرغم من كونه الاقل كفاءةً في ميدان العمل الأمني والمعلوماتي، وشخصية غير متواصلة مع مستجدات هذا الملف المهم، والسؤال الأهم الذي يرد على كل من يصر على ترشيحه لوزارة الداخلية، هو كيف كان ادائه في جهاز الامن الوطني، والمستشارية، وحتى رئاسة هيئة الحشد الشعبي، التي اناطها به رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي! والذي اقصاه فيما بعد لابتعاده عن ادارة هذه المؤسسات الأمنية وممارسته السياسة بعيدًا عن فضاءات الأمن التي تتطلب جهداً وتركيزاً، فأي كفاءة ومسؤولية امنية يحملها ويتحملها الفياض، وهو الذي لم يجتمع ويلتقي بقادة وضباط او منتسبي جهاز الامن الوطني منذ سنتين او اكثر، ونتحدى الفياض ان انكر ، وادعى غير ذلك ! فالرجل، وكل من يعرفه يدرك، انه لا يعلم اي شيء عما يحدث في الامن الوطني، ولا يفهم شيئاً عن مكونات جهاز الامن الوطني، حتى ان قادة الجهاز وضباطه اشتكوا مرات عدة من عدم وجود رئيس لجهازهم، فالفياض لم يلتق او يحضر او يمارس اي دور في جهاز الامن الوطني من قبل سنتين، وليس بعد اقالته من العبادي وعودته بعهد عبد المهدي، والجهاز كان ومازال يدار من قبل وكلاء الرئيس، فهل يعقل أن يكافئ هذا الرجل الخامل بمنصب خطير مثل منصب وزارة الداخلية، وهل يمكن لعاقل ان يصدق هذا الذي يحدث ويبرره تحت أي تبرير كان، خصوصاً بعد أن تجاوز الأمر حاجز القرار الوطني، وهل باترى عقمت التحالفات السياسية والمؤسسات الامنية عن ولادة شخصية ذات مستوى وكفاءة عالية وقدرات جيدة لتبوء المنصب المهم، حتى يقدم قادة الكتل السياسية على تقديم هذه التنازلات المذلة من اجل ظفر الفياض المدلل بالمنصب. الى ذلك كشف رئيس كتلة العقد الوطني، رشيد عداي، عن أسباب زيارة رئيس جهاز الأمن الوطني فالح الفياض إلى السعودية وبعض دول الجوار. وقال عداي في حديث نشر في وسائل الاعلام، ان "زيارة الفياض إلى السعودية ليس لها أية علاقة بترشيحه لمنصب وزارة الداخلية ومحاولة كسب تأييد تلك الدولة لنيل المنصب". وأضاف ان "الزيارة تمت بصفته الرسمية الامنية، وليس السياسية بهدف تبادل المعلومات الامنية والتعاون بين البلدين"، ً مؤكدا ان "جولته الأخيرة للسعودية وبعض دول الجوار الأخرى طبيعية لا تستحق التهويل والتضخيم". بحسب زعمه. ورأينا بهذا الرد واضح، وقد ذكرناه في السطور السابقة بأن الفياض لايفقه في الامن اكثر مما يفهمه كاظم ابو اللبن عن النسبية ونظرية انشتاين النسبية !
*
اضافة التعليق