بغداد- العراق اليوم:
يجب علينا، ان لا نغضب، حين نرى اسم بلادنا في اول مراتب الفساد في جداول المنظمات العالمية، وأن لا نحتد ونشتد ونتعصب حين نشاهد شخصاً ما (خاصة اذا كان عربياً)، يظهر على شاشة التلفاز، ويقول لنا: (ان العراق بلد بلا دولة)! لأن هذا الغضب برأيي، وهذا التعصب هما وقود هذا الفساد، وزيت ديمومته واستمرار تواصله. فالواجب يحتم علينا اولاً، الاعتراف بعدم وجود دولة في العراق، رغم وجود حكومة وعلم، وعملة وطنية، وبرلمان ودستور، وأقول دولة قاصداً في ذلك، لأن الدولة شيء، والحكومة شيء آخر ! فالدولة كما معروف لها قوانين ملزمة وضوابط وقيم ادارية، ولها التزامات صارمة، وكيان محترم، إذ ستجد هذا الكيان المهاب وتشعر به دون ان تراه بالعين المجردة. وللدولة اخلاق، واستقامة، وشرف، ونزاهة، وبياض يد، وعفة ضمير، فضلاً عن ما لها من يد حديدية تكسر انف كل من يحاول ان يتجاوز على حقوقها، وحقوق مواطنيها. لذا اسمحوا لي ان اسألكم واقول : هل لدينا اليوم مثل هذه الدولة؟ والجواب سيكون منكم ومنا جميعاً: ليس لدينا دولة حقيقية، بل وليس لدينا حكومة حتى ! وقد قال اهلنا قديماً: (من تحجي، جيب شاهدك وياك) ! وأنا (أحجي اليوم وشاهدي وياي)، وهي كتب، ومحاضر صحيحة، وصريحة، رغم إني اعرف ان كلامي هذا سيكون موجعاً، ومؤلماً لكل عراقي شريف، لكننا نضطر احياناً مجبرين كما يضطر الجراح لاجراء عملية جراحية، وهو يعي ان الألم الذي سيسببه للمريض ليس قليلاً، لكن إستئصال الورم الخبيث، وشفاء المريض، يستحقان أوجاع المشرط! والقضية حدثت قبل يومين حين رست ناقلة "بنمية الجنسية"، تدعى (دوبرا)، على رصيف عشرة النفطي، في ميناء خور الزبير، وراحت تحمل الاف الاطنان من مادة غاز النفثا، ولا أحد يعرف شيئاً عن هذه الناقلة، فلا موافقات اصولية وغير اصولية لدى القائمين عليها، ولا تصاريح كمركية تسمح بالتحميل، ولا هم يحزنون، بل لا يوجد لدى الكمرك أي طلب تقديم للتصريحة الكمركية! والمصيبة ان حمولتها تصل الى اكثر من خمسة الاف طن من المنتوج ! وحين قام مدير كمرك خور الزبير بتفتيش الارصفة مع مرافقيه اكتشف أمر هذه الناقلة غير المرخصة، والخالية من كل الاوراق. وهنا جن جنونه، فهو لايعرف كيف جاءت هذه الناقلة الغريبة، وكيف تم تحميلها بهذه الالاف من الاطنان، وبأية موافقات، وحسب أية ضوابط وكيف حصل هذا الأمر؟ وطبعاً فقد تم هنا تطبيق الاجراءات القانونية المتبعة بحق هذه الناقلة، حيث تشكلت سريعاً لجنة تحقيقية حول هذا الخرق الخطير، ضمت مدير الكمرك نفسه، وضباط من الاستخبارات والشرطة وادارة المنافذ وكل من له علاقة بالموضوع لأن تحميل الناقلات النفطية دون موافقات وتصاريح واجراءات عديدة أمر غريب لا يحصل في الموانئ العراقية مطلقاً، فتحميل النفط ليس مثل تحميل الفجل ! المهم ان اللجنة حققت في الامر، وكتبت "محضر ضبط" في هذا الحادث، وقد وقعه ستة مسؤولين في الميناء، بعدها رفع المحضر الى مركز شرطة كمرك خور الزبير، لكي يقوم قاضي التحقيق بإصدار أمر الحجز على الناقلة كما متبع، وتنفيذ بقية الاجراءات القانونية والقضائية بحقها، ومنها فرض الغرامات المالية التي تصل في هذه القضية -بعد ان تم احتسابها بالضبط- الى حوالي خمسة عشر مليون دولار، نعم (15) مليون دولار غرامة على الناقلة. لكن المفاجأة التي اصابت الجميع بالذهول والصدمة ان قاضي تحقيق الزبير السيد حيدر اسماعيل قام باصدار امر الافراج عن الناقلة البنمية "دوبرا " دون قيد أو شرط ! وعندما سئل السيد القاضي عن السبب الذي دفعه للتجاوز على القانون، واصدار امر مخالف لكل آليات ونصوص واجراءات الدولة المتبعة في مثل هذه القضايا، فكان جوابه: (يابه يادولة) ؟! هنا يجب ان نسأل، بل يجب ان نصرخ بأعلى اصواتنا، ونقول: من ياترى اتصل بقاضي التحقيق، ليطلب منه الافراج عن "دوبرا"، وأي " صماخ كبير " ومتنفذ ارعب السيد القاضي وجعله يكفر بالقانون، ويهين العدالة، فيصدر مثل هذا القرار الظالم، ويضيع على العراق خمسة عشر مليون دولار؟ أهو وزير النفط مثلاً، أم وزير المالية، أم وزير العدل بالوكالة، ام هو وزير الداخلية بالوكالة، أم ربما يكون مدير شركة "قيوان" صاحبةهذا المنتوج المهرب، والمستفيدة عشرات الملايين من الدولارات عبر علاقاتها الفاسدة والمكشوفة مع ادارة شركة سومو - إذ ستجدون مع الوثائق المنشورة هنا، كتاب بتوقيع محمد سعدون مدير الشحن في شركة سومو، ومن خلال صياغة سعدون لهذا الكتاب، ستكتشفون مدى حرقة قلبه على تحميل هذه الناقلة مهما كانت النتائج، حتى لو لم تستحصل بعد الموافقات والتصاريح اللازمة -! نعم ليس غريباً على شركة "قيوان " ان تصل الى قضاة التحقيق والى رؤسائهم، فهذه الشركة اخطبوطية، ولها اياد "تدفع"، وتصل حتى الى ترامب وماكرون وليس الى القاضي المسكين حيدر اسماعيل ! تصوروا ان الشيخ سعد، صاحب شركة قيوان- وهو شخصية كردية متنفذة جداً، تمكن من استحصال موافقة وزير المالية فؤاد حسين شخصياً على تخفيض الضريبة على عقد نفطي كبير من نسبة 15 بالمئة الى 5 بالمائة، موفراً للشيخ سعد مبلغاً كبيراً، وهو أمر لم ولن يحصل مع غيره حتى (لو تطلع نخلة براسه) أما إذا كان التلفون الحاسم قد جاء الى قاضي التحقيق من قبل السيد عادل عبد المهدي، فهذه مصيبة لا توازيها مصيبة سوى ضياع الدولة العراقية، وسقوط اخلاق آخر من كنا نظن ان لديهم بعض اخلاق ! ———————— الوثائق:
*
اضافة التعليق