بغداد- العراق اليوم:
الكيان العميق الموازي للدولة (٢)
ماهي الدولة الخفية في العراق وماهي استراتيجتها؟:-
اتخذ مفهوم الدولة الخفية في العراق منحى مختلفا عن أماكن تواجدها في البلدان الاخرى من حيث التكتيك والاستراتيجية حيث انها تبنت في الأماكن الاخرى ستراتيجية التأثير في قرار الدولة لتقوية نفوذها وتحقيق مصالح سياسية او اقتصادية او دينية او قومية، اما في العراق فان متبنى الدولة الخفية هو تهديم الدولة ومؤسساتها والوصول الى مرحلة اللادولة والفوضى في ادارة الحكم من اجل تحقيق الأهداف المرسومة لها من قبل مؤسسيها وداعميها الخارجيين والداخليين، وجميع هؤلاء الداعمين لديهم هدفان رئيسيان احدهما سياسي والآخر اقتصادي .
فالمؤسس والداعم الخارجي لايريد للتجربة السياسية الجديدة ان تنجح في العراق فمنهم من يريد أساسا فشل التجربة وتهديم الدولة كجزء من أجندة اختطها النظام العالمي الجديد لتفتيت دول الشرق الأوسط وخصوصا العراق وإبقائه في حالة فوضى عارمة لفرض الواقع الجيوسياسي المرسوم للمنطقة وهذا ماتبين في ثورات الربيع العربي التي تحولت الى ربيع عبري. ومنهم من لايريد للحكم الجديد ان ينجح في ادارة الدولة لكي لايتم إعمام حكم الانتخابات والمشاركة السياسية في ادارة الحكم على دول اخرى في المنطقة ويجب ان يكون العراق درسا لمن يفكر في حكومات الشراكات السياسية والعمليات الانتخابية بدلا من ان يكون مثالا يحتذى به في المجال السياسي.
اما اقتصاديا فان العراق كان مرشحا لان يكون المركز الاقتصادي والتجاري للشرق الأوسط وان يكون الرابط الرئيسي بين الشرق الأقصى واوربا بحكم موقعه الجغرافي ومخزونه النفطي وطاقاته البشريه ويمكن ان يسحب البساط من تحت بعض الدول في المنطقة من الناحية الاقتصادية هذا من جانب ، اما الجانب الاقتصادي الاخر فان جميع الدول بلا استثناء تعمل على فتح أسواق لمنتجاتها وخصوصا الرديئة منها وابقاء العراق في حالة اللادولة، وعدم سيطرة السلطات على السياسة الاقتصادية واستمرار تخبطها يساعد على جعل السوق العراقي سوقا استهلاكيا متعطشا للبضائع بعد اكثر من عقد من الزمن من الحصار الاقتصادي وعدم دخول البصائع خصوصا ان عدد السكان يتجاوز الأربعة وثلاثين مليون نسمة على اقل تقدير ( لم تنجح السلطات بعد عام ٢٠٠٣ بإجراء تعداد سكاني وهذا ايضا من تاثيرات الدولة الخفية) وهذا العدد من السكان يعتبر من اكبر الكتل البشرية في المنطقة التي تعيش في بلد لا صناعة فيه، لذلك تعتبر سوقا استهلاكيا يسيل له لعاب جميع المنتجين الخارجيين سواء دولا او منتجي القطاع الخاص الأجانب . كما ان المنافسين الآخرين في سوق الانتاج النفطي من مصلحتهم ان تكون الادارة السياسية والحكومة العراقية فاشلة لإخراجه من موقعه كلاعب أساسي في سوق النفط العالمي وخصوصا دول المنطقة النفطية التي لاتألوا جهدا في تخريب اقتصاد البلد بل وصرف الأموال لتخريب أسس بناء الدولة سياسيا وادارياً.
اما على المستوى الداخلي فالمؤسسون والداعمون للدولة الخفية ايضا لهم أسبابهم السياسية والاقتصادية . فسياسيا قد خسر الكثير امتيازاتهم ووضعهم السياسي والاداري ووظائفهم وأعمالهم فمن مصلحتهم ان لاتنجح التجربة الجديدة وان لاتنبني الدولة على أسس جديدة لكي يصل الناس الى قناعة بان دولتهم الظالمة كانت افضل من حالة اللادولة التي يعيشها العراق ولكي يجعلوا البسطاء والسذج يتمنون عودة ازلام مرحلة الدكتاتورية الى واجهة السلطة بحجة انهم رجال دولة قادرون على ادارة الحكم بينما من تصدى في مرحلة مابعد ٢٠٠٣،لايحققون هذا الطموح المشروع للمواطن العادي في بناء دولة تحفظ كرامته. وفي حقيقة الامر ان قادة الدولة الخفية استخدموا جميع الطرق الاثنية والحزبية والطائفية والقومية ولعبوا على أوتار التنوع المجتمعي العراقي وقاموا باستخدامه سلبيا لتحقيق مآربهم وقاموا بتجنيد الكثير من العاملين في دولتهم الخفية مستغلين هذه المقاربات الاثنية والمذهبية .
اما على الصعيد الاقتصادي فالمصالح الشخصية لبعض رجال الاعمال لعبت دورا كبيرا في ان لايتم بناء دولة وتبقى حالة اللانظام الاداري هي السائدة لانها تمثل افضل بيئة للربح السريع وإتمام الصفقات المشبوهة والثراء الفاحش والكارثة الحقيقية في هذا المجال ان من لعب الدور التخريبي ودعم الدولة الخفية ليس فقط رجال الاعمال المرتبطون بالنظام السابق بل تعداهم الى رجال اعمال مرتبطين بدول اجنبية ورجال اعمال من حديثي النعمة الذي لايفقهون شيئا لا في التجارة ولا الاعمال ولا الوطنيه، بل دفعتهم الصدفة وربما غيرها من الامور السحتية الى ان يكونوا في مصاف رجال الاعمال ، ولا يفوتنا ان ننسى مخلوقات الأحزاب السياسية من رجال اعمال دخلوا من حيث يشعرون اولايشعرون في لعبة الكيان الموازي وتخريب الدولة، التي احزابهم التي خلقتهم هي بالأساس جزء من النظام الحاكم في هذا البد الذي يساهمون بتخريبه وتهديم حالة الدولة فيه حيث ان جل همهم هو كسب الأرباح والتعامل مع قطاع الاعمال كأرقام تدخل لحسابات الأحزاب بغض النظر عن مفهوم الإنجاز والمصلحة الوطنية وبالتالي ستخسر هذه الأحزاب وجودها وليس فقط نفوذها لان سقوط البلد من جراء تهديم الدولة يعني إنهاء وجودهم فيه.
كيف تعمل الدولة الخفية في العراق؟
اما تكتيك الدولة الخفية في العراق او أساليب ادارتها للعملية التخريبية الهدامة، فقد اعتمد بالأساس على مايلي :-
١- التغلغل في اروقة النظام الاداري والسياسي للبلد افقيا وعموديا وعلى جميع المستويات ، والوصول الى مصدر القرار ان امكن او على الأقل الحلقة المؤثرة عليه لاستصدار قرارات هدامة وفي أسوأ الاحتمالات الوصول لأي موقع قادر على إيقاف او تعطيل او تاخير القرارات التي فيها مصلحة عامة .وهذا التغلغل يشمل المناصب والمواقع الادارية داخل المؤسسات العسكرية والمدنية وايضا المواقع السياسية داخل الأحزاب.
٢- السيطرة الاعلامية على الرأي العام والتغلغل الى العقل الجمعي للمجتمع عن طريق التكثيف الإعلامي بمختلف صوره المرئية والمسموعة والمقروءة لتهديم صورة الدولة لدى المواطن وخلق ارضية لتقبل تسقيط الشخوص الوطنية العاملة والترويج لثقافة التسقيط لمؤسسات الدولة وحجب اي نجاح لمؤسسة الحكم وتضخيم الأخطاء وتصوير المرحلة كأنها فشل مطلق . يصاحب ذلك الترويج للشخصيات المنضوية تحت كيان الدولة الخفية وتلميع صورتهم وتهيئة القبول الشعبي لهم.
٣-الدخول في مجال الاعمال الحرّة والتجارة والمقاولات وتشكيل واجهات اقتصادية ليست الغاية منها فقط الربح السريع وتمويل نفسها بل الغاية الحقيقية هي تخريب الاقتصاد ونشر ثقافة الفساد وإعاقة المشاريع وعدم تنفيذها وتأخير اي إنجاز وتشجيع التجارة القذرة والمواد الاستهلاكية الرديئة ومحاصرة ومحاربة كل رجال الاعمال الشرفاء واستخدام المال الحرام في تغيير انفس الموظفين لكي يعم الفساد وتتهدم الدولة.
٤-استغلال الوسائل الوقائية ومؤسساتها القانونية ( مع جل احترامنا لها) كالقضاء والنزاهة والتفتيش والتدقيق واختراقها وتحويلها الى كلمة حق يراد بها باطل وجعلها وسائل إعاقة ومصدر تخويف للموظف ومنعه من العمل والإنتاج والابداع بداعي ان من يعمل يخطأ وبنفس الوقت استخدام نفوذها في هذه المجالات لحماية اتباعها وهم في مناصبهم الفعالة وتحصينهم من اي عقوبة او كشف لعملهم المعيق لنهضة الدولة.
٥- إشاعة ثقافة الجهل والتضليل الممنهج، وتستند بذلك على ثلاث قنوات أساسية تتمثل ببث الخوف لدى الآخرين واثارة الشكوك وصناعة الحيرة. فتارةً يتم ارعاب الجماهير ونشر ثقافة الخوف من الاخر وتنمية رغبة البقاء وذلك على جميع الاصعدة المذهبية والطائفية والاثنية ودفع المجتمع وفئاته في جميع المفاصل الادارية والسياسية نحو التخندق ضد الاخر ومن جانب اخر تثير هذه الدولة الخفية من خلال مصادرها وأركانها (التي سنأتي على ذكرها لاحقا) الشكوك تجاه اي فعل او ازاء فيه مصلحة عامة ضمن توجه بناء دولة المؤسسات، كذلك تحاول دائما ادخال الفرد والمجتمع في دوامة الحيرة وعدم الثقة بمؤسسات السلطة وعدم قناعته بها حتى يبدو تائها لايستطيع تمييز مايحصل مما يزيد العبء النفسي عليه فيضطر لقبول مالاينبغي قبوله حتى يخرج من هذه الدوامة.
من هم أركان الدولة الخفية ؟:-
تقوم الدولة الخفية على اربعة أركان أساسية ، وعندما ناتي على سرد هذه الأركان سيقفز لذهن القارئ الكريم شخوص ومؤسسات عندما يلاحظ طبيعة مايعملون سيتحقق من دقة وصحة الكلام خصوصا اذا كان يمارس العمل الاداري في المؤسسات الحكومية او العمل الحزبي في الحياة السياسية . اخذين بنظر الاعتبار ان هذا الكيان العميق تغلغل واخترق المنظومات العاملة ووصل لمرحلة التأثير بمصدر القرار من خلال بعض أدوات هذه المنظومات وليس جميع منتسبيها إطلاقا بل ان الحرب مستمرة بين اتباع الدولة الخفية وبُناة الدولة من الخيرين من أبناء الشعب من سياسيين وموظفين ووجوه المجتمع وإعلاميين وغيرهم.
الركن الاول : الوسط السياسي
العمل السياسي في العراق مر بمراحل مختلفة منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة ويتفق الجميع ان الحياة السياسية العلنية ضمن إطار المنظومة المحمية من الدولة قد توقفت منذ العام ١٩٥٨ لغايه ٢٠٠٣ واقتصرت الحالة السياسية على العمل السري او العمل في المنفى لـخمسة واربعين عاما . بمعنى ان هناك اربعة اجيال من السياسيين مارسوا العمل السياسي كمعارضة مسلحة او منفية لم تعش مبدأ الشراكة السياسي في ادارة الحكم او معارضته بالطرق الطبيعية . لذلك فان من السهل جدا اختراقه بعد عام ٢٠٠٣ بسبب حاجة البلد الى زخم سياسي كمي يتلاءم مع طبيعة المرحلة الجديدة التي تتطلب مشاركة سياسية اكثر في ظل نظام التعددية والتداول السلمي للسلطة، فاخترقت الدولة الخفية هذا النظام اما بتجنيد بشتى الطرق بعض السياسيين الموجودين اصلا بالعملية السياسية او بخلق سياسيين جدد ودفعهم من خلال الأحزاب والكيانات الموجودة في الساحة السياسية او بتشجيع وتقوية اجنحة معينة داخل الكيانات الموجودة او بدرجة اقل خلق كيانات سياسية جديدة تتلاءم مع الجو السائد . واياً كانت الطريقة فان الهدف التخريبي واضح وهو يعتمد على شيئين مهمين الاول التأثير في مصدر القرار سواء في الموقف الحزبي السياسي او من خلال المواقف البرلمانية بحيث تكون هذه القرارات ضد مبادئ اقامة الدولة وتصب في خدمة أهداف الدولة الخفية بان يعيش العراق حالة اللادولة . والشيء الثاني هو ان تزج هذه الكيانات بأسوأ ما لديها من شخوص لتبوء مناصب التصدي السياسي والاداري سواء على المستوى التشريعي او التنفيذي فيكون اما جاهلا او فاسدا او خائنا يسهل اختراقه او تحريكه عن بعد ليعيث في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية خرابا ويجهضوا بافعالهم بناء دولة المؤسسات ويسيروا بالبلد الى الفوضى.
الركن الثاني: المنظومة الوظيفية للمؤسسات
ويعتبر هذا الركن مكملاً للركن الاول حيث انه في ظل النظام السياسي بعد ٢٠٠٣،والذي فرضه النظام العالمي الجديد على العراق، وبسبب جهل الأدوات السياسية المتحكمة بالسلطة لقواعد بناء دولة المؤسسات اتخذت ادارات المنظومة الادارية منحى التحاصص وتوزيع الوظائف المؤثرة وليس فقط المناصب العليا على المكونات السياسية وتحت مسميات التوازن بين الطوائف والقوميات . ان كلمة التوازن مع انها مصطلح احتواه الدستور العراقي لكنه كلمة حق يراد بها باطل وهو لغم من الألغام الكثيرة التي وضعت في الدستور فعندما أعلنت ذات مرة في احدى جلسات اللجان الوزارية عدم التزامي بهذا المبدأ وقدمت مقترحا للاستعاضة عنه بمبدأ الكفاءة والولاء لدولة المؤسسات جوبه رفضي بجواب ان التوازن مبدأ دستوري ويجب الالتزام به وذلك يبُين ان الدولة الخفية عملت منذ وضع الدستور على التأثير بواضعيه وتضمينه هكذا الغام ومن ثم حركت ماكيناتها المختلفة لترسيخ هذا المبدأ وجعله مطلبا أساسيا مستعملةً الستراتجية الخامسة أعلاه لبث الخوف بان عدم تحاصص المناصب معناه تفريط بحقوق المكون او الحزب او الجماعة وكل ذلك بغض النظر عن الكفاءة ونجاح الأداء.
ومن خلال اختراقهم لهذه المنظومة استطاع المحركون للدولة الخفية ان يتحكموا بالكثير من القرارات وان يجهضوا الكثير من الإنجازات والقرارات الجيدة باتجاه بناء دولة العراق الجديد كما سياتي ذكر ذلك في فصل لاحق من هذا الكتاب
ان اتباع الكيان الموازي ( الدولة العميقة او الدولة الخفية مها كان مسماها) استطاعوا التغلغل في الوظائف الوسطية المحيطة والساندة للوظائف القيادية لكي لايكونوا في الواجهة الا في بعض المفاصل القيادية التي لابد لهم من السيطرة عليها. فقدرسم مخططوهم خارطة كاملة لمفاصل المؤسسات الحاكمة ابتداء من رئيس السلطة العليا في المؤسسة المعنية الى اصغر موظف مؤثر او معرقل للقرارت مرورا بالوكلاء والمديرين العامين ومعاونيهم ومن اهم بدرجة وظيفية أدنى وعملوا على ان يدفعوا باناس او يجندوا اخرين موجودين فعلا في هذه المفاصل وربطهم بالشبكة الراسية والافقية الموازية للسيطرة على المفاصل المؤثرة لخلق قرارات تهدم بنيان الدولة او تعطيل قرارات من الممكن ان تبني الدولة.
ان ترابط اتباع الدولة الخفية فيما بينهم غير مباشر وانما يعمل بنسق مافياوي وبشكل منظم بدقة وليس بالضرورة ان جميع اتباع هذا الكيان الموازي يعلمون انهم جزء منه بل ان الكثير منهم يعمل لصالح أهداف الدولة العميقة دون ان يعرف ذلك ولكن تتم الاستفادة من تاثيراته تحت أغطية اخرى منها سياسية كايهامه بالدفاع عن مصالح حزبه او طائفية كونه يمثل مكونا معينا او أسباب لها علاقة بالفساد المالي اي ان يتم شراء ذمته لاتخاذ هكذا قرارات هدامة، ودائما يكون هؤلاء محميين من قبل دولتهم الخفية ومن خلال نفوذهم في مصادر سلطات اخرى حاكمه او معاقبة وبطريقة مخابراتية عملياتية تشبه عمل المنظمات السرية كالماسونية وغيرها.
الركن الثالث : المنظومة الاجتماعية
المنظومة الاجتماعية التي تحكم المجتمع العراقي لها الدور الأكبر في تحشيد الرأي العام وتوجيه مسار العقل الجمعي للشعب العراقي ،وهي منظومة تتكون من عده أقسام ومنظومات فرعية كالمنظومة الدينية التي يمثلها رجال الدين والمنظومة العشائرية التي يمثلها زعماء القبائل ورؤساء العائلات والمنظومة المدنية كمنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات وغيرها .
وتعتبر المنظومة الاجتماعية من اهم المنظومات التي اخترقتها الدولة الخفية بشكل او باخر حيث ان تضليل المجتمع وتكوين الرأي العام بصورة تساهم في اجهاض مشروع الدولة الحاكمة في العراق جدا مهم بالنسبة للكيان الموازي. حيث استطاع هذا الكيان الخفي ان يهز ثقة المجتمع بمؤسسات الدولة ويشوه صورة رجالات الحكم الحقيقيين داخل مجتمعاتهم ونجح في صناعة الحيرة داخل المجتمع العراقي تجاه مستقبل البلد من خلال اختراقه لهذه المنظومة المسيطرة على القواعد الشعبية والادهى من ذلك فقد بدأ يوجهها لدعم اتباعه الموجودين في المنظومات الاخرى وتقوية نفوذهم من خلال المنظومة الاجتماعية فخلق دورة كاملة لمنظومة الدولة الخفية داخل منظومات الدولة الحقيقية مما يؤدي الى تآكل أساس بناء دولة المؤسسات ونخر أعمدة الدولة من الداخل وصولا الى سقوطها واستمرار حالة الفوضى . والا بماذا نفسر تصدي البعض من المحسوبين على المؤسسة الدينية من مبلغين وخطباء وائمة منابر لمهمة تجهيل المجتمع ودفعه لتسقيط كل مايمت لبناء الدولة بصلة مستغلين عواطف الناس على الرغم من ان توجيهات المرجعيات الدينية والقيادات الدينية كلها تصب في صالح بناء الدولة وتاهيل مؤسساتها وتشجيع رجال الدين والخطباء المعتمدين على دعم جهود الخيرين لانتشال البلد من أزمته والوصول به الى بر الأمان واستخدام النقد البناء لإخفاقات رجال الحكم هنا وهناك وتوجيه العاملين باتجاه العمل المؤسساتي . كما تم استخدام سلطة العشيرة بصورة سلبية تخريبية وتشجيع حالة استبدال سيادة القانون بالعرف العشائري واستبدال الإيمان بالوطن بالولاء للعشيرة على الرغم ان العشائر هي عماد من أعمدة تكوين الدولة العراقية الحديثة ودائما كان العرف العشائري مكملا لمبدأ سيادة القانون وليس بديلا عنه. وبدلا من انشغال منظمات المجتمع المدني بنشر ثقافة المواطنة والعمل الطوعي والتعاون وما الى ذلك نرى ان الكيان الخفي اخترق عمل البعض منها وحوله باتجاه النقد الهدام والفوضى وإشاعة ثقافة التخريب بداعي أخذ الحقوق من السلطة الحاكمة فنرى احيانا بعض الذين يصرخون ضد سوء الادارة والفساد وفشل الدولة هم أنفسهم جزء من المؤسسات الحاكمة وهم اصلا لا يؤدون دورهم وأعمالهم بصورة صحيحة بل ان بعضهم فاسد اداريا وماليا فهذا النموذج يؤدي دورا مزدوجا لصالح تهديم الدولة من خلال المنظومة الادارية ومن خلال المنظومه الاجتماعية وهو ماينبهنا الى ذكاء وخطورة الدولة الخفية .
الركن الرابع : المنظومة الاعلامية
كل ما سبق من اختراقات لايمكن ان تتكامل او ان تتناسق فيما بينها الا من خلال حلقة وصل عامة تجعل من أهداف الدولة الخفية بتهديم الدولة الحقيقية قضية رأي عام وتصبح هذه اداة لتمرير المعلومات الهدامة وتحقيق ستراتيجية بث الرعب الاجتماعي وصناعة الحيرة وتطبيق نظرية الصدمة على الامة التي سياتي شرحها في نهاية هذا الفصل.
وأفضل حلقة وصل تؤدي الغرض وتكون الوجه البارز للدولة الخفية وباستخدام كلمات الحق التي يراد بها باطل هو الاعلام. وقد استفاد اصحاب الدولة الخفية من تجربة الأسترالي الأصل اليهودي روبرت مردوخ الذي يملك مؤسسات اخبارية وصحفا ومجلات ومحطات تلفزة جعلته يتحكم بمفاصل مالية وسياسية وسلطوية تتجاوز قدرات دول وانظمة.ان المؤسسات الصحفية الوطنية في العراق قدمت تضحيات مشهودة وساهم رجالاتها ونساؤها بالدم والروح لبناء دولة الانسان في العراق وكانت فعلا سلطة رابعة وصاحبة جلالة رفيعة المستوى لخدمة الشعب ولكن الكيان الموازي اخترق المنظومة الاعلامية بطريقتين الاولى بزرع موالين لها او شراء ذمم الولاء للبعض في هذه المنظومة وجعلهم يعملون لصالح الدولة الخفية وأجندتها من حيث يعلمون او لايعلمون ، والثانية من خلال تأسيس محطات فضائية ومؤسسات اعلامية متكاملة ومجهزة باحدث التجهيزات وبإمكانيات انتاجية عالية ونرى البعض منها يعمل ليل نهار وبمئات الموظفين وبانتاجيات عالية بدون ان تمول نفسها ولو بإعلان واحد!! فهلا تساءلنا من أين اموال هذه الفضائيات ومن يدعمها وماهي أجنداتها ؟ كما ان طريقة عملها مهني جدا باتجاه التخريب فهي تدس السم بالعسل بحيث تسقط حالة الدولة وتهين مؤسسات الحكم حتى تَخلق رأيا عاما لصالح وضع اللادولة في العراق.
ان أساس عمل الدولة الخفية في العراق يعتمد أساسا على أساس نظرية الصدمة التي اخترعها العالم الكندي دونالد كامرون اما الذي حولها من الفرد الى المجتمع فهو العالم الاقتصادي الامريكي ميلتون فريدمان بتمويل من بعض المخابرات وهذه النظرية تقول (انك اذا أردت ان تسيطر على مجتمع وتجعله ملكا لافكارك وقراراتك يجب ان تخضعه اولا لصدمة كبرى تفقده الإحساس بالواقع وتجعله مستسلما لك)، وكانت غاية فردمان ان يسمح للشركات الامريكية بالسيطرة على اقتصاد البلدان فيجب ان يعرض الشعوب الى صدمة لكي تقبل بالواقع الجديد فعندما يغيب وعي الشعب ولايرى افقا في الحل سيفقد السيطرة ويصل حالة الياس ويقبل بحلول جاهزة من الخارج كان من المستحيل ان يقبل بها قبل ذلك. وقد تم تطبيقها في تشيلي في زمن الرئيس الامريكي نيكسون وكذلك في الاتحاد السوفيتي . اما تلميذ فريدمان في الجامعة المدعو دونالد رامسفيلد فقد نظّر لتطبيقها في العراق مرتين الاولى عام ١٩٩١ ونتج عنها الحصار الاقتصادي والثانية عام ٢٠٠٣ بتطبيق موضوع الفوضى الخلاقة وتلقفتها منه الدولة الخفية وبدات تعمل في ظل هذه الظروف الملائمة لنشاطها والتي خلقها النظام العالمي الجديد وعملت جاهدة على جعل الشعب العراقي تحت صدمة عدم الثقة بالمؤسسات السياسية والإدارية وفشلها الذريع وصدمة الوضع الأمني والعسكري وأخيرا صدمة الانهيار الاقتصادي وهذه الأزمات والصدمات لا حلول لها في المدى المنظور، فقد بدأ الشعب العراقي يفقد الأمل واليأس من إصلاح الوضع وقد يقبل باي حل جاهز ومخطط له واغلب الظن اما التقسيم الى دويلات متناحرة او استمرار حالة اللادولة.