بغداد- العراق اليوم:
لعل المناصب في العراق، وعروض بيعها، وتسعيراتها، وسماسرتها، ومشتريها، باتت من الأمور الطبيعية في الدولة العراقية (الجديدة)، بحيث لم يعد الأمر محرجاً للبائع او المشتري، فهو عملية (بيع وشره) مثل أي عملية (بيع وشره) عادية تحدث في سوق الشورجة، او سوق مريدي، أو سوق الصدرية!! وستكون عمليات البيع والشراء هذه أكثر سلاسة، واكثر طبيعية ومقبولية حين يكون رد فعل رئيس الحكومة عليها عادياً، فلما تصله بالصوت والصورة اخبار صفقة لبيع منصب مدير عام ما في حكومته، ولا يقوم سوى بتوبيخ البائع لفظياً، ومعاتبته بهدوء وابتسامة عريضة، فإن الأمر يؤكد ما نمضي اليه في تقريرنا هذا ! وبرأيي ان الأمر سيكون أشد دهشة وغرابة حين يتداول ايضاً قياديون ووزراء ونواب في البرلمان وقضاة كبار، واعلاميون مهمون، تفاصيل هذه الصفقة، فيتحدثون بكل اريحية عن قيمتها، وعن التاجر الوسيط بين البائع والمشتري- وهذا التاجر نفسه الذي مول الحملة الانتخابية للنواب احمد الجبوري وقتيبة الجبوري- وعن وكيل وزير العدل عبد الكريم فارس السعدي، العضو في حزب الفضيلة، الذي سهل هذه الصفقة المخجلة، وكأنهم يتحدثون عن بيع رونالدو ، أو نيمر، او بيع اللاعب المصري محمد صلاح، أو يتداولون خبراً عن بيع سيارة في احد معارض الحبيبية، او بيع ببغاء في سوق الغزل، وليس عن بيع منصب يمثل في جميع القياسات والتوصيفات حالة كارثية، وجريمة هي اشد جناية من أية جريمة اخرى. فجريمة القتل مثلاً لاتترك أثراً مادياً، أو معنوياً، أو قيمياً أكبر من مساحة الجريمة ذاتها، ولا تأخذ رقعة أوسع من رقعة الفعل نفسه، بينما تكون آثار جريمة بيع منصب مدير عام، أكبر من كل مساحات الجريمة المقررة لها، فهي تمتد الى ما هو ابعد من كيان وحجم المؤسسة التي سيتولى المدير الفاسد ادارتها. ولكم ان تقدروا مثلاً اهمية وخطورة منصب بحجم منصب مدير عام اصلاح السجون العراقية في الزمن الحالي، وان تقدروا ماذا سيفعل هذا المدير العام الذي اشترى منصبه بخمسة ملايين دولار، وربما يكون قد دفع خمسة ملايين اخرى ايضاً للوسطاء، والسماسرة وهم نواب في البرلمان، ووزراء سابقون وحاليون، وقادة احزاب وكتل سياسية لا يرتضون بمبالغ اقل من الملايين الخضر، لذا أقول ماذا سيرتكب هذا المدير العام من جرائم خطيرة، وماذا سيعقد من صفقات كبيرة، وتعاملات باهظة، من اجل ان يسترد الملايين التي دفعها رشوة لحصوله على هذا منصب الحرام، إذا ما علمنا ان السجون العراقية تضم الان ابرز القتلة الإرهابيين، وعتاة الفساد في العراق، وكبار المجرمين، وتجار المخدرات، وكلنا يعلم ان هؤلاء جاهزون للدفع من اجل تهريبهم من السجن، أو توفير الملاذ الآمن لهم، أو على الاقل ادامة الصلات لهم مع محيطهم الخارجي، ونقصد بذلك توفير الاتصالات الامنة للسجناء الإرهابيين، ولزعماء العصابات، مع جماعاتهم واتباعهم في خارج السجن، وهو أمر بات اليوم معروفاً في السجون العراقية الحالية، وليس دعاية، أو وشاية نقدمها لأحد . وهنا برأينا يكمن خطر بيع منصب حساس، مثل منصب مدير عام اصلاح السجون العراقية ! لذا فإن قيام الدكتور صالح الجبوري وزير الصناعة، والمكلف بمهام وزير العدل وكالة من قبل رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، ببيع منصب مدير عام اصلاح السجون علناً، وبشهادات عدد غير قليل من النواب والسياسيين، وحسب ما متوفر لدينا من ادلة تنشر مع هذا التقرير، مثل شهادة النائب حيدر الملا، وبعض الوزراء الذين شهدوا توبيخ عبد المهدي للوزير البائع صالح الجبوري في جلسة اجتماع الوزراء، وقيام عبد المهدي بسحب وكالة وزارة العدل من الوزير البائع الدكتور صالح الجبوري - بعد الفضيحة طبعاً - ومنحها لوزير الاسكان السيد بنكين ريكاني، وغير ذلك من المؤشرات، فكل هذا يؤكد حالتين خطيرتين، الأولى قبول رئيس الوزراء الحالي وتأييده ضمناً لمفاسد وزرائه، وإلا ماذا يعني ان يسحب وكالة وزارة العدل من وزير الصناعة صالح الجبوري، وتسليمها الى وزير الاسكان، دون ان يطرد الجبوري من حكومته، فهل يجوز الفساد في وزارة الصناعة ولا يجوز في وزارة العدل؟! والحالة الخطيرة الثانية، وهي التي يتوجب التركيز عليها، تتعلق بأداء بعض الوزراء السابقين مثل وزير العدل الدكتور حيدر الزاملي، ووزير الداخلية قاسم الاعرجي، ووزير الصناعة محمد شياع السوداني، وهو اداء ناصع بشهادة الجميع، وقد حقق الكثير من النتائج الرائعة، فلماذا لا يستثنى هؤلاء الوزراء من كارثية التوزيع التحاصصي، ويواصلون عملهم في وزاراتهم التي نجحوا فيها؟ وهنا نتوجه بهذا النداء الى راعي الاصلاح السيد مقتدى الصدر، متمنين عليه التدخل شخصياً في هذه النقطة، فوزارة العدل مهددة اليوم بالانهيار، والمؤسسات التي كان الوزير حيدر الزاملي قد قطع يد الفاسدين فيها، وحاصر مخططات الاحزاب الفاسدة التي كانت تعبث بمقدرات الوزارة، عادت للأسف اليوم -بعد مغادرة الزاملي - الى ممارسة افعالها الاجرامية، وعقد صفقات الفساد بواسطة ذيولها الذين عادوا اليها ، وبيع منصب مدير عام السحون ما كان سيحصل مطلقاً لو كان الزاملي الشجاع موجوداً، ونفس الشيء ينطبق الان على وزارتي الداخلية والصناعة بعد مغادرة الاعرجي والسوداني!
*
اضافة التعليق