بغداد- العراق اليوم:
احمد عبد السادة
يحاول البعض أن يجمل جهل وعدم نضج الذين وصفوا الشاعر الكبير مظفر النواب بـ"الإرهـــــابي"، وأن يبرر سذاجتهم الثقافية من خلال القول بأن "وصفهم" هذا استند إلى أنساق "عنفية وإرهابية" مضمرة موجودة في أغلب قصائد النواب السياسية!! ولهؤلاء المجملين والمبررين أقول: ما دمتم تحدثتم عن الأنساق المضمرة فإنكم دخلتم في مجال النقد الثقافي، والنقد الثقافي بالنهاية يهتم بالسياق التاريخي للنص، أي أنه يجب فحص النص في ضوء سياقه التاريخي، لكي نتمكن من قراءته ثقافيا بشكل دقيق وموضوعي، لا أن نقوم بتجاهل السياق التاريخي وإسقاط المفاهيم المعاصرة والظروف الحالية والمزاج الحالي على نص كتب في الخمسينات أو الستينات. الكبير مظفر النواب، الذي أشعل وقاد ثورة الحداثة في الشعر الشعبي العراقي وترك لنا تحفا شعرية نادرة، كان قد كتب أغلب نصوصه السياسية الفصيحة - بغض النظر عن رأينا الفني فيها - في مناخ يساري ثوري كان يسود العالم آنذاك وليس العالم العربي فقط، وفي ظل هذا المناخ اليساري الثوري العالمي كانت عبارات مثل "الكفاح المسلح" و"الشرعية الثورية" و"العنف الثوري" هي عبارات عادية وشائعة في ظل وجود حركات "ثورية" معارضة مسلحة تريد الإطاحة بأنظمة ديكتاتورية وصلت إلى السلطة بقوة السلاح وتحكمت بالشعوب وقمعتها بقوة السلاح، وبالتالي فإنه لا يمكن إزاحتها من السلطة إلاّ بقوة السلاح أيضاً!!. وفي ظل هذا المناخ الثوري العالمي العام انبثق موقف النواب ضد الأنظمة الديكتاتورية العسكرية في العراق والمنطقة والعالم، كما انبثق موقفه ضد الكيان الإسرائيلي القائم بقوة السلاح القامع والمحتل والمتغطرس، في وقت كان فيه الكثير من اليساريين في العالم - ومن ضمنهم شعراء وفنانون ومثقفون عالميون - مع "العنف الثوري" للخلاص من الاحتلالات والديكتاتوريات العسكرية، فهل يمكن أن نصنفهم كإرهابيين حسب رؤية "زعاطيط الفيس"؟!! لذلك كان على "زعاطيط الفيس بوك" الذين وصفوا مظفر النواب بـ"الإرهـــــابي" وعلى الذين برروا وصفهم "المشين" هذا أن يقرأوا ويستوعبوا أولاً ثوابت وآليات اشتغال النقد الثقافي قبل أن يورطوا أنفسهم بالكلام عن "الأنساق المضمرة"!!. وما دمنا نتحدث عن الأنساق المضمرة فإنني أرى أن النسق المضمر لرأي "زعاطيط الفيس" بمظفر النواب هو إما نسق "الطشة"، أي أن هؤلاء يبحثون عن "طشة" معينة في الفيس بوك، أو أنه نسق "السفارة"، أي أن سفارة معينة كلفتهم بتشويه صورة النواب وغيره من الشعراء والمثقفين الذين يناهضون "إسرائيل" ويرفضون التطبيع معها!!
*
اضافة التعليق