بغداد- العراق اليوم: من القطاعات التي لا تقبل القسمة على اثنين، ولا يمكن ان تدار بطريقة الدفع العشوائي والتخبط الاداري والمحسوبيات، هو القطاع النفطي كونه من القطاعات التي تحتاج عقليات ادارية وعلمية مسلحة برصيد من الخبرات والتجارب الطويلة والمتراكمة، فهذا القطاع التخصصي دقيق جدًا، ولا يمكن ان يدار بعقلية سياسية مهما كانت خبرة السياسي متراكمة وطويلة، فهذا الاختصاص يشابه بالضبط قطاع الصحة، فلا يمكن لاي عارف بالامور الطبية اجراء تداخلات جراحية، مهما كانت سعته وثقافته عالية، إن لم يكن متخصصاً وعلمياً في ذات الشأن الجراحي، ولم يمنح شهادة مثبتة في هذا المجال. لذا فأن ادارة الدولة العراقية منذ اكتشاف نعمة البترول والى اليوم، لم تستطع مهما كان شكل النظام السياسي ان تدير هذا القطاع الا بمختصين ذوي خبرات وتجارب وعقليات ناجحة، لذا كان القطاع النفطي العراقي محصناً وبعيداً عن أيادي المتطفلين، والسياسيين، والطامحين والطامعين، فظل زاخرًا بكفاءات لا عد ولا حصر لها، وقدم طوال العقود الماضية طاقات ساهمت باثراء التجربة النفطية لا العراقية فحسب، بل العالمية ايضاً، ونقولها بضرس قاطع. لذا فأن تجاذبات ما بعد ٢٠٠٣ ، ومحاولة السياسة ان تتسلل الى هذا القطاع التخصيصي كان لها اثر سلبي جدًا، لكن المفرح في الموضوع ان هذا الانحراف سرعان ما يتم تصحيحه من اصحاب الشأن أنفسهم، لان القطاع النفطي لا يسير الا باتجاه واحد، واي انحراف فيه سيعني توقفًا تاماً له. ولعل تجربة توزير سياسي كبير لهذه الوزارة قبل اكثر من عامين تثبت صحة قولنا، حيث توقف هذا القطاع واصيب بالشلل مما استوجب موقفًا عاجلاً لتصحيح المسار والاتيان بكفاءة وطنية ذات قدرات وكفاءة عالية لادارة قطاع متعثر. وكان ان وقع الخيار الناجح على المهندس الكفوء والخبير النفطي جبار علي اللعيبي الذي استطاع خلال فترة وجيزة من اعادة القطاع النفطي الى المسار الصحيح، واستطاع النهوض بالقطاع، بل واعادته الى سابق عهده، محققاً طفرات كبيرة لمسها القاصي والداني، فالوزارة استطاعت استحداث شركات وقطاعات وخطوطاً انتاجية، وخطوطاً جديدة فضلاً عن التطوير الوظيفي للموارد البشرية العاملة. كما لمس العاملون في هذا القطاع تحولاً اكثر وضوحًا في مسارات الامور ، حيث تخلصت القرارات التخصصية من الجوانب الدعائية والسياسية الضارة، وتحولت الرؤى الفنية الى قرار يتخذه المختصون دون مراعاة لاي جانب سوى الرأي الفني، وبذلك نجحت الادارة في توفير بيئة عمل مشجعة ومنتجة، كما استطاع الوزير بكفاءة مشهود لها ان يجنب الوزارة الكثير من العقود التي تحوم حولها الشكوك والشبهات، وكذلك فأن جدولاً من المراجعات الدقيقة بدأه الوزير لكل التعاقدات السابقة، والمشاريع الاستثمارية، افضى الى ان يعاد النظر بكل عقد او استثمار لا يراعي المصلحة العامة، كما ان الوزير اعطى الضوء الأخضر لكل الاستثمارات النفطية والخدمية الاخرى، محول اًوزارة النفط الى دولة متكاملة تنفذ مشاريع خدمية وصحية وتنموية. ويجب ان لا يفوتنا دور وزارة النفط المحوري في الحرب على الارهاب الذي كان للوزير لعيبي دور واضح في ادامة زخم الانتصارات المتحققة وتوفير فرص تثبيت النصر من خلال اعادة الحياة للمنشأت النفطية في المناطق المحررة، مما يعني اعادة آلاف العمال الى العمل، وايضا دعم الاقتصاد المحلي والوطني. ولا ننسى المبادرات التعليمية التي اطلقت في عهد الوزير لعيبي ودورها في تعزيز القطاع النفطي بكوادر متخصصة ودقيقة، نظراً لحجم معرفة الوزير لعيبي باهمية بناء الكادر الوظيفي المتخصص الذي سيكون مستقبل هذه الصناعة التي تشكل العصب الوحيد للحياة الاقتصادية العراقية. كذلك فأن الوزير لعيبي يعد اخر الكفاءات التي يحتضنها القطاع النفطي، التي كانت ولا تزال تؤدي مهامها بحياد تام وتخصص عال ووضوح شديد، حتى مع دخول الوزير في الانتخابات العامة، ونيله عضوية مجلس النواب عن ائتلاف النصر ، فإن الكل يعلم ان اقل الائتلافات ممارسةً للعمل السياسي هو ائتلاف النصر. لذا فأننا مع المطالبات التي اطلقها المختصون النفطيون في العراق، التي تريد اعادة توزير السيد جبار لعيبي للنفط مرةً اخرى حفاظاً على مسارات التصحيح والبناء التي اطلقها الوزير، وايضاً تجنيباً لاعادة تجربة التوزير السياسي التي عانت الوزارة من ويلاتها سنوات من الشلل والاخفاق، لذا فأن هذه المطالبات يجب ان تعضد بقوة وان تدعم من قبل القوى السياسية الحريصة على مستقبل البلاد، خصوصاً القوى التي تمتلك قدرًا من المسؤولية القانونية والشرعية، فمنح المختصين دورهم في بناء القطاعات المهمة هو بوابة خلاص الجميع من جحيم التجاذب السياسي والفوضى. ولأن أهل مكة ادرى بشعابها، فأهل النفط أدرى بشؤونهم، وأمورهم، ووزارتهم، فحين يجمعون على منح ثقتهم بالمهندس جبار اللعيبي وزيراً للنفط، فهم يعرفون ماذا يريدون، ويدركون معنى قرارهم، واهمية اختيارهم، ليس لأن وزارة النفط ذو خصوصية، وشأن مختلف فحسب، إنما لأن أهل النفط لا يرغبون بأي سياسي وزيراً لوزاراتهم، ولا بأي فاسد تولي حقيبة نفطهم، خاصة يعد ان جربوا اللعيبي، ورأوا كيف عادت بفضله وزارة النفط للعراقيين، وكيف نهضت قوية وزاهرة، بعد ان كادت ان تضيع في مزالق السياسة. أيها السياسيون دعوا وزارة النفط لأهل النفط، وخذوا كل الوزارت الأخرى.. فجبار اللعيبي آخر كفاءات الجيل المهني الذهبي، بل هو آخر عناقيد الخير في شجرة النفط العراقية الوارفة..