بغداد- العراق اليوم:
استعرضت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية مذكرات العميل المزدوج لدى الاستخبارات المركزية البريطانية، أيمن دين الذي قضى أكثر من عقد من الزمن مع تنظيم القاعدة في أفغانستان.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد أن انهار نظام طالبان في أفغانستان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2001، سارع الصحفيون الذين كانوا ينتظرون في أجزاء من البلاد خارج سلطة النظام الإسلامي أو في باكستان المجاورة إلى معسكرات التدريب المهجورة التي قام فيها تنظيم القاعدة ببناء فرقة الهجوم التي نفذت هجمات الـ 11 من سبتمبر.
وذكر مراسل الغارديان أنه كان آنذاك في مدينة جلال آباد الشرقية أثناء اشتباك قوات المعارضة مع بقايا أعضاء القاعدة ليلة سقوط المدينة. وبعد أن قضى ليلة في الفندق الوحيد العامل آنذاك، قام بالقيادة مسافة عدة أميال في الطريق المؤدية لكابول. وقال “خلال رحلات المراسلة المتعددة التي قمت بها إلى أفغانستان في ظل طالبان، كنت أسمع بوجود معسكرات تدريب قرب مستودع قريب يدعى (درونته) على بعد ميل واحد من الطريق الرئيس. لم يكن من الصعب الوصول إليه إذ إنه مجمع من الأكواخ الطينية والثكنات الموجودة في نهاية طريق قصيرة.
وتلعب درونته دوراً رئيساً في القصة الاستثنائية التي رواها دين في كتابه “تسع حيوات Nine Lives”. الذي يعد فريداً من نوعه نظراً إلى أنه من النادر أن تقوم أجهزة استخبارات غربية بزرع عميل داخل منظمة مثل تنظيم القاعدة، ومن الأندر أن تصبح هوية هذا العميل معروفة، ومن غير المسبوق أن ينشر فرد مثل هذه المذكرات المفصلة عن الفترة التي تتجاوزت العقد من الزمن التي قضاها قرب أحد أعلى مستويات التشدد الإسلامي الممكنة.
ويروي أيمن دين، وهو ليس اسم العميل الحقيقي، القصة جيداً بمساعدة من الباحث والصحفي المقيم في الولايات المتحدة، باول كروكشانك، الذي يملك معرفة عميقة بالموضوع والقدرة على تحويل مواد خام من ذكريات عميل إلى أمر مستلذ لعامة الناس، وبمساهمة أيضاً من تيم ليستر وهو مراسل سي إن إن الذي لديه خبرة طويلة في الموضوع.
ويتناول الكتاب عدة جوانب تتضمن قصة إنسانية من الإيمان، والعنف، والصدمة، وفي نهاية المطاف هي شكل من أشكال الفداء من خلال الغوص العميق في التفاصيل الداخلية لواحدة من أشهر المنظمات الإرهابية على مر العصور، وكتاريخ قصير للتهديد الذي لا زلنا نواجهه.
بواكر تشدده
يحكي دين عن حياته المبكرة في المملكة العربية السعودية، وكيف انجذب لمجموعة دراسة دينية تبدو بريئة لكنها تسعى لإنتاج عدد كبير من المسلحين رفيعي المستوى. بحلول عام 1994، كان دين لا يزال مراهقاً في البوسنة، يقاتل في صفوف المسلمين الملتزمين إلى جانب الكرواتيين مشاركاً في المعارك والفظائع.
وغيرته مشاركته هذه بشكل دائم وعززت التزامه بالكفاح من أجل الدفاع عن الأمة الإسلامية ضد العدوان المفترض للغرب وحلفائه المحليين في العالم الإسلامي. وسافر إلى أفغانستان، وتوجه لدرونته حيث شارك في صنع أسلحة كيميائية وبيولوجية. كما انضم إلى تنظيم القاعدة وأجرى معه أسامة بن لادن مقابلة.
ولا يعد بن لادن المتشدد رفيع المستوى الوحيد الذي قابله دين، حيث تظهر خلال السرد كل شخصية رئيسة ناشطة في التشدد الإسلامي من تلك الحقبة من الوعاظ في المملكة المتحدة إلى خالد شيخ محمد الذي خطط لهجمات الـ 11 من سبتمبر إلى أبو مصعب الزرقاوي الذي أسس وقاد فرع تنظيم القاعدة في العراق.
وتعد هذه صورًا شخصية ومقربة للشخصيات القيادية التي يعتبر تفكيرها وأفعالها ضرورية لفهم كيفية تطور النزعة القتالية الإسلامية المتشددة للصورة التي وصلت إليها. ومما يحظى بأهمية خاصة هو نظرة الجهاديين لعلامات قيام الساعة والتي لفترة طويلة كان يعتقد أن أعضاء تنظيم القاعدة في المناصب العليا الذين غالباً ما يكونون ذا تعليم جيّد ينبذون مثل هذا التفكير المروّع. وفي الواقع أشار دين إلى أن الاعتقاد بأنهم قادرون على التسريع من مجيء نهاية الزمان كان محورياً لنظرتهم وإستراتيجيتهم تجاه العالم.
بداية تشككه وانضمامه للاستخبارات البريطانية
ومع ذلك، تسبب تورط دين في تصنيع قنابل الغاز التي تم اختبارها على مئات الأرانب إلى إصابته بالقلق . فكان يتساءل ما إذا ينبغي أن يتم استخدام هذه الأسلحة على المدنيين؟ وهل الجهاد مبرر على الإطلاق؟
وفي نهاية المطاف تزعزع التزامه بالقضية، وانتهى به المطاف في البحرين ثم نقل إلى جهاز الاستخبارات البريطانية MI6، الذي وظفه كعميل لبضع سنوات وأعاده إلى أفغانستان ودرونته. وأشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن الكشف أن المملكة المتحدة كان لها عميل مقرّب من القادة البارزين في القاعدة ويعمل في مثل هذا المكان الحساس هو أمر مدهش.
تُقدّم قصصُ دين عن هذه الحياة المزدوجة سواء قبل أو بعد الـ 11 من سبتمبر لمحة رائعة عن واقع التجسس. جزء كبير من حياته كان عاديًا وينطوي على عدد لا يحصى من عمليات إبلاغ عن الاستخبارات في غرف نوم فنادق مملة، ولكن جزءًا آخر كان جذاباً أيضاً. حيث تم الكشف عن المؤامرات وإرسال اتصالات سرية. لكن فوق كل شيء القصة الإنسانية هي التي تأسر القارئ. حيث ينتهي الأمر بتجسس دين على عائلته ولا يضطر للتخلي عن تجسسه إلا بعد أن قامت مصادر في البيت الأبيض بالكشف عن تخفيه في تسريبات لصحفي.
الأثر السلبي للزمن
لكنَّ هناك أمرًا واحدًا مزعجًا في كتابه؛ وهو أنه من غير المرجح أن يكون دين قادراً على تذكر المحادثات التي كانت تجرى أثناء الحوارات المنعقدة قبل قرابة 20 عاماً من قيامه بكتابة مذكراته، أو أن ما كتبه ضابط في الاستخبارات البريطانية على أوراق ملاحظات خلال مقابلة معينة في عام 2003 لا تزال موجودة، أو كيف أجاب أحد ما على اتصال هاتفي في عام 2008. ودون هذه التفاصيل الدقيقة سيكون أي سرد جافًا في الواقع.
وينطوي كتاب تسع حيوات على نهاية مأساوية؛ لم ينعم ابن شقيق دين الذي يعد قريبه الشاب المفضل، بامتلاك مهارة عمه اللافتة في الهرب من المشاكل وقتل أثناء محاربته مع الإسلاميين في سوريا. وبتعريض نفسه للمخاطرة يزور دين قبر ابن أخيه البالغ من العمر 18 عامًا على عجل ويتلو دعاءً قصيراً ثم يبتعد ولا ينظر إلى الوراء.
*
اضافة التعليق