بغداد- العراق اليوم: في خضم الحديث الرسمي السوري المتكرر عن معركة مرتقبة في إدلب، آخر معاقل المعارضة المسلحة بمختلف تنويعاتها وتشكيلاتها، ظهرت مؤشرات على أن الصين قد تدعم حضورها السياسي “الناعم” في الملف السوري بمشاركة عسكرية مباشرة، وما يدعم مثل هذا السيناريو هو أن بكين لها مسوغاتها الأمنية. ونأت الصين بنفسها، لسنوات طويلة، عن الانخراط عسكريًا في الفوضى السورية، ورغم موقفها المعلن الداعم للرئيس السوري بشار الأسد إلا أن بكين اكتفت بالاصطفاف السياسي “دون أنياب” إلى جانب روسيا عبر استخدام حق النقض (الفيتو)، مرارًا، في مجلس الأمن لصالح النظام السوري. وكانت صحيفة “الوطن”، التي يملكها رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد، والثري المعروف بولائه للنظام، نقلت الأسبوع الماضي عن السفير الصيني بدمشق تشي تشيانجين قوله إن”جيش بلاده مستعد للمشاركة في معركة إدلب أو أي مكان آخر في سوريا لمكافحة الإرهابيين وخاصة الإيغور القادمين من الصين”. ورغم أن السفارة الصينية بدمشق زعمت، في توضيح لاحق أرسلته للصحيفة، أن ثمة “خطأ في الترجمة”، وأن الصين تتمسك بالحل السلمي والسياسي، غير أن ذلك لا ينفي وجود مصلحة للصين في محاربة مقاتلين صينيين من أقلية الإيغور المسلمة، المنضوين ضمن “حزب تركستان الإسلامي” الذي يقدر عدده أعضائه بنحو 2500 شخص في إدلب. 5 آلاف من الإيغور وكانت تقارير سابقة أشارت إلى أن نحو 5000 مقاتل من أقلية الإيغور يقاتلون في سوريا إلى جانب التنظيمات الارهابية المختلفة، وهو ما أثار على الدوام قلق الصين، الطامحة، على ما يبدو، في المرحلة الحالية، إلى القضاء عليهم في سوريا قبل أن يتمكنوا من العودة للصين، مع ما يعني ذلك من تزايد للتهديد الأمني الذي تعاني منه بكين أصلًا. ووفقًا للسلطات الصينية، فإن بعض هؤلاء المقاتلين عادوا فعليًا إلى موطنهم في إقليم شينجيانغ الصيني، ويخططون لـ”أعمال إرهابية في البلاد”.
وينتمي معظم هؤلاء المقاتلين من الإيغور إلى “الحزب الإسلامي التركستاني”، وهي منظمة مسلحة انفصالية تدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في تركستان الشرقية شمال غرب الصين، أو ما يعرف بإقليم شينجيانغ، ذي الغالبية المسلمة من عرقية الإيغور. ويبلغ عدد سكان إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية)، بحسب أرقام الحكومة الصينية، حوالي 21 مليون نسمة، منهم 11 مليونًا من المسلمين الإيغور، فضلًا عن أقليات أخرى مثل الكازاخ والقرغيز والتتر والأوزبك والطاجيك. ويتهم أبناء أقلية “الإيغور” الصين، بقمع الهويات الثقافية والدينية والعرقية للغالبية الإسلامية، وهو ما دفعها إلى مناهضة السلطات الصينية وشن هجمات مسلحة في فترات سابقة. ومنذ بدء الأزمة السورية التي استقطبت مقاتلين من شتى أصقاع الأرض، يتكرر الحديث عن المشاركة الصينية العسكرية “الرسمية”، من دون أي دلائل على أرض الميدان، كما الحال بالنسبة للروس والإيرانيين، مثلًا. وفي حين نفى مصدر إعلامي” وجود أي نشاط عسكري صيني في سوريا، حتى اللحظة، فإن تقارير سابقة أفادت أن السلطات السورية سمحت في عام 2015 بدخول 5000 عسكري صيني إلى أراضي سوريا. قوة موحدة وأوضح المصدر الإعلامي من دمشق، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن تأخر التوضيح الصيني بشأن تصريحات سفيرها في دمشق حول عزم بكين المشاركة في معركة إدلب، هو الذي ساهم في تضخيم موضوع المشاركة العسكرية الصينية، لافتًا إلى أن السياسة الصينية تبدي، على الدوام، حذرًا بالغًا حيال إرسال قواتها للقتال خارج حدود البلاد. يشار إلى أن الصين، التي أعلنت مرارًا تأييدها لمحاربة الجماعات الإرهابية مثل داعش في سوريا والعراق، لكنها لم تنخرط عسكريًا في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمحاربة هذا التنظيم المتشدد. وكان المبعوث الصيني الخاص إلى سوريا شي شياو يان زار دمشق، مؤخرًا، وكرر موقف بلاده الداعي إلى حل الأزمة السورية بالطرق السلمية والدبلوماسية، لكنه لمح إلى احتمال مشاركة بلاده عسكريًا في سوريا عبر التأكيد على وقوف بكين إلى جانب دمشق في حربها على “الإرهاب” حتى استئصاله بالكامل. واقترح المبعوث الصيني “تشكيل قوة موحَّدة جادة لضرب الإرهاب وتطهير المنطقة من بؤره، فالإرهاب خطر عالمي يُهدّد كل دول العالم”، وفق موقع “الصين بعيون عربية”. ويرى محللون سياسيون أن الدافع الأساسي لأي دور عسكري صيني محتمل في سوريا هو القضاء على مسلحي الجيش التركستاني في سوريا، وتوجيه رسالة تخويف لأقلية الإيغور لديها، مفادها أن أي نشاط مسلح لحمل الحكومة الصينية على الخضوع لمطالبها أمر مرفوض. أفغانستان ثانية وترى الصين أن اكتساب حزب تركستان الإسلامي لأي نفوذ ضمن تشكيلات المعارضة السورية “الارهابية”، من شأنه أن يحول إقليم شينجيانغ إلى أفغانستان ثانية، وقد يستقطب مقاتلين، ليس فقط من أبناء الإقليم، وإنما كذلك من جنسيات مختلفة، لا سيما وأن ثمة اتهامات لتركيا بدعم هؤلاء المقاتلين، وهو ما يفسر الاعتراض التركي على شن أي حملة عسكرية ضدهم في إدلب. وفي مؤشر على القلق التركي من أي مشاركة محتملة للصين في معركة إدلب، طرحت صحيفة “يني شفق” التركية، المقربة من الحكومة، سؤالًا ساخرًا: “لماذا تحشر الصين أنفها في معركة إدلب؟”. ورغم أن الدعاية الإعلامية للحزب الإسلامي التركستاني قد تبدو أقل تأثيرًا وبروزًا مقارنة مع الجماعات المتطرفة الأخرى، مثل داعش والقاعدة، إلا أن هذا الحزب يمتلك “خبراء بارزين” في مجال الإعلام، بحسب مراقبين. وأصدر الحزب، قبل أشهر، فيديو دعائيًا تضمن دعوة لمسلمي الغرب “للجهاد المسلح”، كما وجه تهديدًا إلى الصين، عبر تنظيم عرض عسكري “ضخم” لقواته في إدلب هو الأول من نوعه منذ بداية نشاطه العسكري على الأراضي السورية. وتضم إدلب، ميدان المعركة المرتقبة، نحو ثلاثة ملايين شخص أكثر من نصفهم من النازحين والمهجرين من مناطق أخرى، وفيها أكثر من 70 ألف مقاتل من فصائل ارهابية. وبمعزل عن مدى صحة التدخل العسكري الصيني “المحتمل”، فإن الصين تتابع باهتمام مصير هؤلاء المقاتلين الذين يضمون بضعة آلاف يحملون جنسيتها، خصوصًا وأن الأطراف المؤثرة في الملف السوري تخوض، حاليًا، نقاشات حول كيفية التخلص من هؤلاء المسلحين. وشكلت إدلب وجهة لعشرات الآلاف من المقاتلين؛ السوريين والأجانب، الذين رفضوا اتفاقيات تسوية ومصالحات مع النظام سواء في الغوطة أو القلمون أو درعا. ويعتبر وجود أعداد كبيرة من النازحين تهديدًا وعائقًا أمام أي عمل عسكري مرتقب في المحافظة القريبة من اللاذقية، معقل الأسد، وهو ما أشار إليه منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا بانوس مومتزيس الذي قال في يونيو/ حزيران: “ليس هناك إدلب أخرى لإرسالهم إليها، هذا هو الموقع الأخير، ولا يوجد مكان آخر ليتم نقلهم إليه”.
*
اضافة التعليق