بغداد- العراق اليوم:
يا لها من لحظة فارقة، أن يختار الفقراء والمظلومون والمعدمون من يرفع صوتهم، ومن يملك القدرة على أن يمنحهم املًا في أحلك ظروفهم، أنها اللحظة التي يمكن التعبير عنها بكونها الأصدق في كل التجربة الديمقراطية التي عليها ما عليها، وفيها ما فيها، لكن الأصدق فيها انها تمنح اولئك المنسيين في عشوائيات قصية، أو قصبات منسية، حرية في اختيار من يتحدث بأصواتهم التي لا تسمع، وأن يُري الأخرين جروحهم التي تنز المًا ووجعًا وقهراً وضيقًا في الحال, أنها الديمقراطية التي يتساوى فيها اصحاب النفوذ والفقراء والمعدمون، أنها اللحظة الأكثر عدالةً في بلد ضاعت فيه مقاييس العدالة، واختلطت الأمور حابلها بنابلها، ولم يعد بالإمكان ان يثق الفقراء بأحد، سوى من أكتوى بنيران عيشتهم الضنكى، وذاق مرارة ايامهم الحبلى بالمآسي. هذا هو فقط يمكنه أن يكون صوتهم، ويمكنهم أن يذهب سفيرًا لـ " للوجع الساكن على أطراف المدن"، هذا فقط يمكنه أن يضع لسانه حول اعناق ناهبي المال العام، وسارقي قوت ابناء الله من الفقراء، ويخنق تلك الرقاب الغليظة، هذا فقط يمكنه أن يحمل عصاه، ويجلد بها اضلاع ناهبي الأحلام والأموال، وقاتلي غد الفقراء الذين بقوا يأنون لا يسمع أنينهم سوى من عاش محنتهم، ومن هذا في زمن يتكالب فيه الكل على المال، والعقود والقومسيونات والايفادات وارتال "الجكسارات" المصفحة، من هذا الذي يضحي بدنيا (هارون) ليعيش دنيا (الكاظم) الشحيحة. وحين يأس الفقراء من أن يبعثوا من بينهم رسولاً عنهم يبلغ رسالة جوعهم، كان "وجيه عباس" صوتهم، وكان مبلغهم الذي ينطق بقوة وشراسة السيف، فتقع كلماته الحارقة وقع الشهب فوق رؤوس الشياطين، نعم شياطين الأنس من الدواعش ما ظهر منهم وما بطن. نعم هو وجيه عباس أبن المحنة، ووريت الآسى الكامن، وكاهن الاوجاع التي خضبت شعره، أنه ذلك الذي يحمل خشبته ويدور فيها وسط بغداد المشتعلة بالموت والأسى، عله يصلب عليها مسيحًا أخر، كيما تنزل السكينة على الفقراء، وعل دمائه تسفر خبزًا يسد فيه رمق من يتضورون قريبًا من موائد السلطان المتخوم. وجيه عباس الصوت الأشجع في معادلة الخوف والخنوع، والرقم الأمهر في اقنتاص مفارقات الزمن العراقي الرديء للأسف، والماسك بجمرة دينه، وهو يرى كيف تتقلب "العولمة" فوق دهن حر! لم تنتجه سوى جلود الفقراء التي داست عليها سرف فوق سرف، ومرت فوقها قنابل متعددة الجنسيات! وجيه عباس الذي تعطر قلمه بأرث (الزهراء) شعراً ونثراً، وعشق أبا ذر بكل ما في بحر العشق من اعماق، هو ذات الرجل الذي يجلس وامامه "كاتيوشا" كل مساء، منها يطلق رصاصه الذي يخترق منظومات الفساد والموت، ويخترق فيه ملاجئ الدواعش، لا يرعبه تهديد، ولا يوقفه وعيد، ولا يثنيه عن هذا مغريات ودنيا تعرض عليه، فيعرض عنها، أنه وجيه الذي لا يريد شيئاً سوى أن يكون في صف الفقراء يمرغ وجهه بآديمهم الأحب الى الله كما يقول، ولا يبتغي مما يقول شهرةً أو جاهاً، وهو الذي تسعى اليه بكل قواها، فهو شاعر من طراز رفيع، وكاتب ممن يعدون على اصابع اليد في الفكاهة السوداء التي يرسمها بأنامله الشديدة البأس على الجبناء، واصحاب الصفقات وسياسي الصدفة، وبائعي الأوطان في غرف الفنادق الفخمة. وجيه عباس الذي تقدم بعد أن الح عليه جمهوره الواسع من فقراء الوطن ومعدميه وكادحيه، لكي يكون صوت هذا الجمهور ، أصبح نائبًا اليوم عنهم، في مشهد يقشعر له البدن، فهذا البرلمان البرجوازي المتعالي، سيدخله سيد " وجيه" وبين يديه صور البؤس والحرمان والوجع القاسي يوميًا كالدم، وسينطق بأسم ملايين من المغيبين قسرًا عن فضاء الوطن وخيراته، أنها لحظة فارقة في تاريخ هذا المجلس، أن يختار الفقراء ما يريدون، وان تكون لهم الحرية فيما يقولون، وأن يصار الى أن يفتحوا ملفاتهم علنًا، محتجين على ضياع سني اعمارهم في عشوائيات تشبه المقابر، وفي مساطر تأكل كالموج العاتي من ايامهم بلا رحمة، وجيه عباس الذي سنسميه من الآن فصاعدًا سفير" الفقراء" في مجلس النواب، اصبح اليوم صوتاً لنا جميعًا، ولم نعد بلا صوت نحن الأغلبية الصامتة قسرًا، وجيه من الآن فصاعدًا سيكون شاهدنا على السلطة، ولساننا الذي ينطق بقوة بوجه انحرافها عنا، وسكوتها عن موتنا البطيء. ندرك أن المسؤولية جسيمة، والأمانة ثقيلة يا وجيه، لكننا نذرناك عنا فلا ترتخِ ولا تهن وانت ونحن الأعلون، فنحن ملح الوطن، ونحن ماؤه العذب ايضاً.
*
اضافة التعليق