بغداد- العراق اليوم: منذ عام الفين وثلاثة والى يومنا هذا، كانت السوق العراقية الاكثر نشاطاً في الشرق الاوسط برمته في مجال تجارة السيارات واستيرادها، بشهادة تقارير دولية واحصائية، وكانت السوق العراقية تستقطب سنويًا مئات آلاف السيارات المستوردة، الجديد منها، والقديم، حتى تحولت شوارع البلاد الى معارض عالمية تعج بكل أصناف وانواع السيارات. هذا التدفق ساهم فيه بشكل أساس تحسن ملحوظ في مستوى الدخل للفرد العراقي، وتصاعد قدرتهِ الشرائية بشكل واضح، بحيث تخلص العراقي من عقدة أسمها السيارة منذ ظهورها والى اليوم، فالواقع يقول أن العراقيين كانوا يعانون من صعوبة تحقيق الحصول على مركبة شخصية منذ سنوات طوال، الى الحد الذي كان ملاك السيارات ينظرون على أنهم طبقة مترفة. لكن تصاعد الدخل وارتفاعه، وقيام العراقي بسد حاجاته الاساسية، أدى به الى البحث عن السيارة مهما كان ثمنها ونوعها بعد ان اصبحت بالنسبة له وسيلة، وليس مجرد اداة ترفيه. وساهمت الحكومة ايضاً في البدء بتسهيل اجراءات الاستيراد بعد ان كانت معقدة بل كادت تكون مستحيلة في الزمن السابق، ولذا تدفقت ملايين السيارات وسط عجز دوائر المرور عن ايجاد آلية سريعة تضمن تسجيل هذه المركبات رسمياً، وتدوين معلوماتها بشكل واضح كما هو معلوم، اضف لذلك قصدية واضحة من بعض الوزارات التي كانت تعرقل عملية التسجيل لشتى الاسباب، حتى بات منظر مئات المركبات تسير على الطرق الداخلية والخارجية وهي لا تحمل أي لوحات تسجيل اصولية، منظر معتاد جدًا، وهنا كانت الكارثة والطامة الكبرى، حيث تحولت هذه " النعمة" الى نقمة ووبال على العراقيين الذين ذاقوا الأمرين من هذه المركبات، بعد ان حولتها المجاميع الارهابية الى أدوات موت واغتيال وعمليات ارهابية جبانة. وازاء التدفق وانفتاح استيرادي غير مسبوق، وتكاسل الجهات ذات العلاقة في متابعة عمليات التسجيل، كانت الكارثة تتفاقم، الى الحد الذي قال البعض أن " أزمة المركبات غير المسجلة هي مؤامرة دولية على العراق"، فيما رأى البعض أنها " قنابل تسير في الشوارع بلا رادع"، وذهب البعض الأخر الى أنها " جزء من عملية ابادة ممنهجة لأبناء الشعب العراقي". وفيما كانت دوائر المرور تقوم ببعض الاجراءات في سبيل معالجة هذه المعضلة، كان البعض يرى أن أمر هذه المركبات خرج عن نطاق السيطرة، ولم يعد بإمكان أحد ان يوقف هذه المهزلة. فما معنى ان تنفجر في بغداد 100 سيارة في اليوم الواحد، دون ان تتمكن القوات الامنية من تحديد عائدية هذه المركبات، وما معنى ان تقوم عصابات تستقل مركبات بلا لوحات بالخطف والسلب والاغتيال، دون التوصل لها. لذلك استبشر العراقيون خيراً بهذا التحول وصاروا يرون في المركبات غير المسجلة قاتلاً يترصدهم في كل مكان، وكانوا يتمنون ان تختفي هذه النعمة، وتعالت النداءات والاصوات لإيجاد حل، لكن دون ان يسمع أحد. فجاء الاعرجي ليفكك هذه القنبلة منذ اول ايام تسلمه مهام عمله وزيراً للداخلية، فكان الوزير قاسم الاعرجي يحمل معه جملةً من الأولويات والملفات ذات الضرورة القصوى، ولم يكن ملف المركبات غير المسجلة ببعيد عن أولوياته، حيث قام بعمل جبار في هذه المعضلة يشهد به القاصي والداني وواصل هو وفريق عمل محترف العمل على معالجة هذا الملف، واعداً ابناء شعبه في أن يخلصهم من هذه المشكلة، وأن لا تتوقف مهام عمله الا بانهاء معاناتهم مع المركبات غير المسجلة. وبالفعل، كان المراقبون والكتاب يتابعون هذه الخطوات العملية والفعالة، ويلاحظون ان دورة عمل أخرى وطورًا جديدًا في عمل مديرية المرور العامة قد بدأ، فكانت المديريات الفرعية تتحول الى خلايا نحل، وعمل دؤوب، والمواطن يجد استجابة سريعة لمعاملته، بل ويفاجأ في احيان كثيرة أن يجد امامه الاعرجي ذاته يتابع عن قرب عملية التسجيل، ويسهل الاجراءات البيروقراطية المعقدة والطويلة والتي كانت تتسبب بمعاناة المواطنين، وابتعادهم عن تسجيل مركباتهم. وخلال الاشهر الماضية، شهدنا انخفاضًا حادًا في اعداد المركبات غير المسجلة، بل تكاد بعض المحافظات ان تعلن الانتهاء رسميًا عن تصفير ملف المركبات التي لا تحمل أوراق تسجيل رسمية واوراق ثبوتية. ومع اقتراب تفكيك هذه المعضلة، يبقى الفضل الكبير لوزير الداخلية الاعرجي الذي كان يحمل معه تشخيصاً دقيقًا لعلة الوزارة، ولا يزال يحمل في جعبته كما يبدو الشيء الكثير من الافكار والحلول والاولويات التي سينتهي منها بشكل سريع، وسيحل الكثير من العقد في الشارع. نحن بانتظار خطوات جبارة للأعرجي في هذا المجال، وهو الذي وعد بأن يطبق انظمة أدارية متطورة، وسيختزل الكثير من الاجراءات البيروقراطية غير الفعالة في قادم الايام، ننتظره وينتظر معنا ابناء شعبنا المضحي والمكافح. فمن كان بارعاً في سوح الجهاد، ليس صعباً ان يكون بارعاً في سوح العمل الخدمي والاداري.
*
اضافة التعليق