بغداد- العراق اليوم:
بعيد تشكيل الملكية العراقية في عشرينات القرن الماضي، وقبلها بقليل انقسمت الأوساط النجفية والمرجعية في الكاظمية وحواضر شيعية اخرى حول الموقف من شكل الحكم الذي سيأتي، لا سيما وان الشيعة تحملوا جور العثمانيين وظلمهم وطائفيتهم المقيتة على مدار قرون طوال، ومن ثم هبوا للدفاع عن تلك الدولة العجوز حين بدأت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس انذاك، تغزو الشرق لتأمين موارد ثروات طبيعية ونفوذ عالمي.
وحين اخفقت قوى المقاومة التي قادها الشيعة انفسهم بدءًا من البصرة، فالناصرية والكوت وبغداد، لم يقف الشيعة عند هذا الحد، ففي الوقت الذي وضع نقيب اشراف بغداد حينها عبد الرحمن النقيب يده بيد قوى الاحتلال البريطاني، وسلمهم المقاليد ودان لهم بالبيعة، وبرر ذلك بالفقه السلطاني السني الذي يجيز للمغلوب مبايعة الغالب!.
وكرمًا من البريطانيين على موقف هذا الفقيه وفقهه، قلدوه منصب رئاسة الحكومة الاولى التي وكما تؤكد المس بيل في مذكراتها، ضمت وزيراً يهودياً عراقياً، لم يجد النقيب غضاضةً من استيزاره، لكنه امتقع حين طرحت عليه تولية وزير شيعي، وبقي رافضًا للفكرة، حتى وان وافق العالم المتنور السيد هبة الدين الشهرستاني بتولي حقيبة وزارية متمردًا على فتاوى الامام الخالصي الكبير، ورهط من المراجع الذين حرموا الانخراط في اي حكومة تحت ظل الاحتلال!
وحتى بعد ان وافق مراجع الشيعة على مبايعة ملك عربي مسلم، من اولاد الشريف حسين الذي ينتهي نسبه للاسرة الهاشمية الا ان مواقف اولئك المراجع لم تتغير في موضوع المشاركة بالحكم الجديد، بل حرموا حتى التوظف بوظائف عامة وبسيطة، فبقي الشيعة معزولين، وهم الغالبية العظمى من الشعب العراقي، عن السلطة والوظائف، ومن احب الاستزادة فليراجع مذكرات الملك فيصل الاول، ومذكرات الوجيه والوزير محسن شلاش وغيرهم من رجال ذلك الزمان.
واليوم وبعد قرن من الزمن يعود صوت التطرف الشيعي ليعلو من جديد، حيث بدأت مع انطلاق العملية السياسية بعد الاطاحة بالنظام العائلي الديكتاتوري القبلي، تعلو تلك الاصوات ذاتها، وهي تحاول، وتجاهد في سبيل اعادة التجربة المرة، تحت ذات اليافطات، والعناوين، ولكن هذه المرة مضافاً اليها فساد الحكومة، والسياسيين، لتكسب دعوة المقاطعة بعضاً من التعاطف والتأييد الشعبي لما يحمله الشارع العراقي من ازدراء للطبقة السياسية الفاسدة، وهو حق أريد به باطلاً، لكن الشيعة المكتوين بنار سنوات الظلم والاقصاء، صموا اذانهم عن تلك الاصوات، ومضوا الى تمثيل انفسهم في السلطة الجديدة بالقدر المتاح، وازاء ذلك دفع غالبية الشيعة ثمنًا باهظًا، لا يمكن أن نتهم شركاء الوطن بأنهم كانوا ورائه، بل ان قوى اقليمية رأت فيما حدث كارثة ستفتح باب المشاركة السياسية في بلدانها، لذلك سعت بقوة لافشال خارطة التنوع في البلاد بأي ثمن، فأستفادت بالطبع من ايتام العهد الصدامي، ومن المتطرفين السنة وغيرها من الجماعات.
واذ لا يمكن للمرء ان يجانب الحقيقة، ويجافي الضمير، فأن ارهاصات واخفاقات الحكم الجديد، وما تسببت به كانت بثقلها الاعظم تطال شيعة العراق، ولذا فأن كم الاخفاق لدى هذه الشريحة العراقية مرتفع المنسوب ، وحجم اليأس من الإصلاح واستعادة شكل الدولة الرشيدة العادلة التي يحلم بها جمهور الشيعة والسنة، اصبح مجرد وهم للأغلبية التي خذلها حجم الفساد، وسوء الادارة وتداخل عوامل الفشل مع الافشال، والنيات السيئة مع تلك التي لا تقدر الوضع، وتلك التي ترغب بتحقيق نجاح دون تخطيط، فضلًا عن ماكينة اعلامية تيئيسية كانت تضخ حمولات من الاحباط والفشل، ووصم المشهد برمته بالفساد والارتهان لقرار خارجي وغيرها، كل هذه العوامل انعشت اصوات التطرف الشيعي من جديد، وزادت من مصداقية تلك الاصوات عند البسطاء الذين لم يمس التغيير الجذري حياتهم، ولم تعد جرعات الامل قادرة على انعاشهم من جديد في امل التغيير، واستجابة نخبة عراقية جديدة في بناء التجربة من جديد.
ومع اقتراب استحقاق انتخابات ٢٠١٨ المصيرية والمفصلية، يعلو صوت الخالصي الحفيد والشيخ فاضل المالكي وغيرهم من رجالات الدين الشيعة، بتحريم المشاركة في هذا الاستحقاق وتحت ذات الذرائع السابقة، الاحتلال، التدخل، اليأس من التغيير، وغيرها من تلك الاسطوانات المشروخة.
واذا ما علمنا ان هولاء المراجع لا يرجع اليهم من الشيعة، سوى نفر، فأننا نعرف ان اصواتهم ودعواتهم تلك، تأتي لتنعش ماكينات الاعلام العربي المعادي وتزوده بوقود من الضد النوعي الفعال الذي يتضخم ويتضخم حتى يؤثر على البسطاء.
وتشترك في ذلك قنوات عراقية، كالشرقية واخواتها التي تجيد لعبة التحريف والتظليل، فمانشيتات حمراء صارخة بقيت تحتل صدارة النشرات الرئيسة، تحمل كلمات قليلة مؤثرة ك ( مرجعيات النجف والكاظمية وقم تفتي بحرمة الاشتراك الانتخابات القادمة!!)، وتلك هي الضربة التي ينتظرها هذا الاعلام الاصفر.
املنا كبير في نهضة انتخابية وطنية، تغير المشهد برمته، وتنعش امال الوطنين والمراهنيين على تغيير حقيقي، بعيدًا عن دعوات المقاطعين الذين لا يريدون سوى التأزيم، وبعيدًا عن ابواق التظليل التي لا هم لها يوى اسقاط كل شيء في هذه البلاد. صارخة بقيت تحتل صدارة النشرات الرئيسة، تحمل كلمات قليلة مؤثرة ك (مرجعيات النجف والكاظمية وقم تفتي بحرمة الاشتراك بالانتخابات القادمة!!)، وتلك هي الضربة التي ينتظرها هذا الاعلام الاصفر.
رغم ان الجميع يدرك ان هذه المراجع لا اهمية لها، ولا تأثير شعبي، بل ولا من يسمع فتاواهم!
ختاماً املنا كبير في نهضة انتخابية وطنية، تغير المشهد برمته، وتنعش امال الوطنين والمراهنيين على تغيير حقيقي، بعيدًا عن دعوات المقاطعين الذين لا يريدون سوى التأزيم، وبعيدًا عن ابواق التظليل التي لا هم لها سوى اسقاط كل شيء في هذه البلاد.
*
اضافة التعليق